كانت للسيد الندوي بصيرة فقهية تامة، وقد توفرت له وسائل تحقيق المذاهب والاجتهاد، لما آتاه الله من الملكة في معرفة اللغة العربية وآدابها، والعلم الواسع الدقيق بالقرآن الكريم وعلومه، والحديث النبوي الشريف، والناسخ والمنسوخ، والإلمام القوي الكامل بمصادر الفقه وأصوله وقواعده، ومذاهب الأئمة وآراء الفقهاء، ولذلك نرى أنه نشأ على مذهب أبي حنيفة (ح)، ولكن ظل ملازما لما اختط لنفسه من التحرر الفكري في الفقه من ربقة التمذب والتقليد والتعصب لقول عالم بعينه.
إنه (ح) لم ينطلق في فقهه من رأي محض أو هوى متبع أو تقليد أعمى وإنما انطلق من حجج وبراهين يعتمد عليها، وأصول يستند إليها، وأهمها الاعتصام بالكتاب والسنة، كما أنه (ح) يرى أن باب الاجتهاد مفتوح إلى قيام الساعة لمن تأهل له، يقول في مقدمة كتاب ((تراجم علماء أهل الحديث)): ((إني ملتزم للسنة ومتبع للتوحيد الخالص، أرى السنة دليلي، وباب الاجتهاد مفتوحا دائما للعلماء، ولا أرى الحق منحصرا في أحد من أئمة السلف)).
ويقول في إحدى خطبه:((من مفاسد هذا العصر الجمود المشين على آراء الفقهاء المتآخرين وفتاواهم، كأنهم معصومون عن الخطأ والمزلات، وعدم الرجوع إلى المرجعين الأصيلين القرآن والسنة، واجتهادات أئمة السلف في البحث عن الحلول للمشاكل المدنية والقضايا الدينية، والقول بإغلاق باب الاجتهاد للأبد)). وكان (ح) يرى أن الحاجة ماسة إلى تدوين جديد للفقه الإسلامي، نظرا إلى تطور الأوضاع وتجدد القضايا والمستجدات.
[رابعا - التاريخ]
يقول الشيخ أبو الحسن علي الندوي (ح): ((إن السيد سليمان الندوي يستحق بدون مراء أن يعد أكبر مؤرخ وباحث في عصره، وإن كتبه ((خيام)) و ((الصلات بن الهند والعرب)) و ((الملاحة عند العرب)) و ((حياة الإمام مالك)) و (سيرة عائشة)) خير نموذج للكتابة في التاريخ، والبحث العلمي، وكتابه