للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه المرحلة إلى إنزال الأحكام والحدود والفرائض، فنزلت آيات الأحكام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولو طولبوا بالامتناع عن الزنا والفواحش وشرب الخمر وغيرها من العادات السيئة من أول يوم لما كان لهذا النداء من ملب؟ ومعروف أن الفرق في اللغة، وطريقة الأداء والأسلوب ناجم عن الفرق في المعاني والمطالب، فلا يدعي أحد أن لغة وأسلوب كتاب المواعظ والإرشاد تكون نفس لغة وأسلوب كتاب قوانين التعزيرات.

وسورة البقرة، والنساء التي تقول عائشة (ض) إنهما نزلتا في المدينة تتناولان موضوع المناظرات مع اليهود والنصارى، لأنهم كانوا في المدينة، وبما أن الدعوة الإسلامية تكون قد اكتملت في المدينة المنورة، نزلت فيها الأحكام، وقلت فيهما الفواصل بسبب استخدام أسلوب الأحكام والقوانين فيهما، وتقول (ض): إن سورة القمر نزلت بمكة، وفيها ذكر موضوع القيامة، لأن تلك فترة بداية الإسلام، وفيها الإنكار على المشركين والرد عليهم، لأن المواجهة كانت معهم هناك. واستخدمت فيها الفواصل الصغيرة لأنها تؤدي إلى إيجاد تأثير عميق في الأسلوب والبيان.

وخلاصة القول: إن الفوارق الموجودة بين السور المكية، والمدنية هي بالنظر إلى الاختلاف في الأوضاع والظروف، واختلاف الأوضاع هو الذي أدى إلى الفرق في اختيار الأسلوب وطريقة الأداء واختيار اللغة.

[سر نجاح الدعوة الإسلامية في المدينة المنورة]

قد يظن البعض أن هذا السؤال لم يكن متوقعا أن يطرحه أحد قبل القرن العشرين، والتاريخ لم يتطور إلى درجة أن يسعه إنشاء مثل هذه الأسئلة، واليوم إذا جلس كبار المؤلفين وأفاضل الكتاب لكي يحلوا هذه العقدة ويزيحوا الستار عنها فإنهم يحسبون أنهم يصنعون الأعاظم ويفعلون الأفاعيل، ولكن الواقع أن الشخص الذي حدثت أمامه هذه الوقائع وهو يشاهدها بأم عينيه، لم يكن جاهلا بهذا السر الخفي، ولم تخف عليه هذه الحكمة.

ومما لا شك فيه أن اتساع نطاق دعوة الإسلام ونموه وتطوره في جو

<<  <   >  >>