إذا تأملنا من وجهة النظر الأصولية يتضح لنا أن الكتاب والسنة بمثابة الأدلة. والفقه هو اسم للاستنباطات والنتائج المستخرجة من تلك الدلائل، وما سبق حول عنوان ((الحديث)) و ((القرآن)) وما سيأتي لاحقا حول عنوان ((الإفتاء والإرشاد)) كل ذلك سوف يجلي لنا مكانة أم المؤمنين عائشة (ض) في علم الفقه، وما هي الأصول التي تستند إليها في استنباط المسائل والاجتهاد والقياس.
وكما هو معروف فإن شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت هي المصدر الوحيد للتعليم والإفتاء والإرشاد في العصر النبوي، ثم خلفه بعد انقراض هذا العصر المبارك كبار الصحابة الأكفاء العدول الذين حملوا هذه الأمانة العلمية والفقهية والقوة الاجتهادية من قائد هذا الركب المبارك - صلى الله عليه وسلم -، فكان أبو بكر وعمر (ض) إذا عرضت عليهما قضية جديدة يناديان في العلماء فيجتمعون ثم يستشيرانهم فيها، فإن وجدا أحدا عنده حديث سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث الناس به، وإلا كانا يقيسانه على الحكم المنصوص عليه ثم يحكمان.
وظل هذا المجمع الفقهي الإسلامي منوطا بالمركز النبوي حتى مستهل عصر الخلافة الثالثة، ولما اشتعلت نيران الفتن في عهد عثمان (ض)، وعم الاضطراب، وشاعت الغوغاء، وبدأ الناس يغادرون إلى مكة، والطائف، والشام، والبصرة، ثم اتخذ علي (ض) الكوفة مقرا للخلافة، وانتشرت هذه الطائفة المباركة التي تربت في ظلال الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في شتى البلاد، وهذا الانتشار وإن أدى إلى توسيع نطاق العلم والفقه في مختلف أرجاء البلاد وأطرافها، إلا أنه خلف تأثيرا سلبيا في جانب، ألا وهو القضاء على الوحدة