للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقول الربيع بنت معوذ بن عفراء: جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل حين بني بي، فجلس على فراشي، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من

آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن: ((وفينا نبي يعلم ما في غدا) فقال: ((دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين)) (١) فقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((دعي هذه ..)) ينفي كل أنواع وأصناف علم الغيب عنه - صلى الله عليه وسلم - مطلقا، ويستثنى من هذا ما يطلع الله تعالى أنبياءه عليه من أمور الغيب لحكمة لا يعلمها إلا هو.

[الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكتمان ما أنزل الله]

من المستحيل أن يسيء أحد الظن بالرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى درجة أن يقول إنه - صلى الله عليه وسلم - كتم شيئا مما أنزل الله تعالى عليه، تقول عائشة (ض): ((من حدثك أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - كتم شيئا من الوحي فلا تصدقه، إن الله تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: ٦٧] (٢) كما أنها كانت تستدل على عدم كتمانه، بما أنزل الله تعالى من الآيات في قصة زيد، ومعروف أنه لا أحد يرضى أن يعلن عن شيء من مواضع ضعفه على رؤوس الأشهاد، مع أنه يوجد في القرآن الكريم عدد من الآيات نبه الله تعالى فيها الأنبياء على أخطائهم الاجتهادية، وكان زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بزوجة ابنه المتبنى موضع نقد شديد وكراهة لدى جهلة العرب، وقد فصل القرآن الكريم هذه الواقعة كل تفصيل، فتقول عائشة (ض): ((لو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كاتما شيئا مما أنزل الله عليه لكتم هذه الآيات على نفسه: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب: ٣٧] ولم يكتمها النبي - صلى الله عليه وسلم -،


(١) صحيح البخاري كتاب النكاح برقم ٥١٤٧، كتاب المغازي برقم ٤٠٠١، وسنن الترمذي كتاب النكاح برقم ١٠٩٠، وسنن ابن ماجه كتاب النكاح برقم ١٨٩٧.
(٢) الحديث أخرجه أحمد في مسنده ٦/ ٢٤١.

<<  <   >  >>