الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبمنه وكرمه تكمل الأهداف والغايات، والصلاة والسلام على المبعوث بالهدى ودين الحق من فوق سبع سماوات، وعلى الأنبياء والمرسلين كافة، وعلى الأصحاب الغر المحجلين، وآل نبينا وأزواجه المطهرات.
وبعد: فإن أخص ما يبهر طالب العلم في سيرة أم المؤمنين عائشة (ض) هو علم زاخر كالبحر بعد غور، وتلاطم أمواج، وسعة آفاق، واختلاف ألوان، فما شاء امرؤ من تمكن في فقه أو حديث أو تفسير، أو علم بشريعة، أو آداب، أو شعر، أو أخبار، أو أنساب، أو مفاخر، أو طب، أو تاريخ، إلا هو واجد منه ما يدهشه عند هذه العبقرية الفذة، ولن يقضي عجبا من اضطلاعها بكل ذلك وهي لم تتجاوز بعد الثامنة عشرة من عمرها.
ومن هنا نوقن أن حياة أم المؤمنين بنت مجدا باذخا لتاريخ المرأة العلمي في الإسلام، بل إن عبقريتها وحدها كفيلة بملء تاريخ كامل، فلا نجد في عبقريات الرجال والنساء في تواريخ الأمم ما يداني مكانة أم المؤمنين (ض).
فمن هذا شأنها وهذه مكانتها وتلك درجتها وعظمتها كانت أحق وأجدر بأن تدرس حياتها، ويهتم بإبراز أهم خصائص شخصيتها، وذكر مناقبها وفضلها على الأمة الإسلامية جمعاء، بل هو دين في عنق الأمة يجب أن تقوم بأدائه.