للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يبقى لها أي أثر، فجاء من الخلف وعقر الجمل فسقط الجمل، ثم أتى محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر إلى عائشة وقد عقر الجمل فقطعا غرضة الرحل، واحتملا الهودج فنحياه، وأمر علي محمد بن أبي بكر فضرب عليها قبة، وقال: انظر هل وصل إليها شيء، فلما وضعاه أدخل محمد يده وقال: أخوك محمد، فقالت: مذمم، قال: يا أخية هل أصابك شيء؟ قالت: ما أنت من ذاك؟ قال: فمن إذا الضلال؟ قالت: بل الهداة.

[توديع علي عائشة وتشييعها بكل الإجلال والتوقير]

وانتهى إليها علي فقال: كيف أنت يا أمه؟ قالت: بخير، قال: يغفر الله لك، قالت: ولك (١).

ولما كان من آخر الليل خرج محمد بن أبي بكر بعائشة حتى أدخلها البصرة فأنزلها في دار عبد الله بن خلف الخزاعي على صفية بنت الحارث، وجهز علي عائشة بكل شيء ينبغي لها من مركب أو زاد وأخرج معها كل من نجى ممن خرج معها إلا من أحب المقام، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات.

وقال لأخيها: تجهز يا محمد فبلغها، فلما كان اليوم الذي ترتحل فيه جاءها حتى وقف لها، وحضر الناس فخرجت على الناس، وودعوها وودعتهم وقالت: يا بني تعتب بعضنا على بعض استبطاء واستزادة، فلا يعتدن أحد منكم على أحد بشيء بلغه من ذلك، إنه والله ما كان بيني وبين علي في القديم، إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه عندي - على معتبتي - لمن الأخيار. وقال علي: صدقت والله وبرت ما كان بيني وبينها إلا ذلك، وإنها لزوجة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة، وشيعها علي أميالا وسرح بنيه معها يوما (٢). وارتحلت (ض) قاصدة مكة، وأقامت فيها إلى الحج، ثم رجعت إلى المدينة المنورة بعد طول غياب.


(١) انظر تاريخ الطبري ٣/ ٥٥.
(٢) تاريخ الطبري ٦١/ ٣.

<<  <   >  >>