وكان كلا الفريقين يعتبر نفسه على الحق دون الآخر، ولا يرضى أن يتزعزع من موقفه، ويتنازل عنه ولو قيد شبر. وأرسل بعض بني عدي فيمن أرسل، فأقبل رسوله حتى نادى على باب مسجدهم: ألا إن أبا نجيد عمران بن الحصين يقرئكم السلام ويقول لكم: والله لأن أكون في جبل حضن مع أعنز وضأن، أجز أصوافها وأشرب ألبانها، أحب إلي من أن أرمي في شيء من هذين الصفين بسهم، فقالت بنو عدي جميعا بصوت واحد: إنا والله لا ندع ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لشيء، يعنون أم المؤمنين.
هذا وكان كلا الفريقين على يقين أن هذه المعركة لا تطول إلى المواجهة والمحاربة، وإنما تنحل بالصلح والإصلاح، فأرسل علي القعقاع بن عمرو إلى طلحة والزبير فخرج القعقاع حتى قدم البصرة، فبدأ بعائشة (ض) وقال: أي أمه ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة؟ قالت: أي بني، إصلاح بين الناس، فسأل طلحة والزبير: ما تقولان أنتما: أمتابعان أم مخالفان؟ قالا: متابعان، قال: فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح؟ فوالله لئن عرفنا لنصلحن، ولئن أنكرناه لا نصلح، قالا: قتلة عثمان (ض)، فإن هذا إن ترك كان تركا للقرآن، وإن عمل به كان إحياء للقرآن، فقال: قد قتلتما قتلة عثمان من أهل البصرة، وأنتم قبل قتلهم أقرب إلى الاستقامة منكم اليوم، قتلتم ستمئه إلا رجلا، فغضب لهم ستة آلاف، واعتزلوكم وخرجوا من بين أظهركم، فلما سمعوا ذلك أثر فيهم هذا الكلام وقالوا: نعم إذا قد أحسنت، وأصبت المقالة، فارجع، فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح هذا الأمر، فرجع إلى علي فأخبره فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، فكره ذلك من كرهه ورضيه من رضيه (١).
[مجهودات القعقاع للإصلاح بين الفريقين]
هذا وقد أثمرت مساعي القعقاع التي بذلها للإصلاح بين الفريقين،