للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما يقع في متناول ذهنها، وملكة في الاستنباط والاستخراج، وقوة نادرة للاجتهاد، إذن فلا غرابة أن يكون غرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - من التمريض في بيت عائشة والاستقرار فيه أن تقوم عائشة بحفظ كل الأقوال والأفعال الصادرة من النبي - صلى الله عليه وسلم - في أيامه الأخيرة، والحق الذي لا مراء فيه أن المسلمين قد عرفوا الكثير من أمر نبيهم وأمر دينهم، وأحواله - صلى الله عليه وسلم - عند الاحتضار، من أحاديث عائشة عن زوجها المحبوب عليه الصلاة والسلام.

هذا واشتد المرض بالنبي - صلى الله عليه وسلم - على مر الأيام حتى لم يسعه أن يصلي بالناس في المسجد، وكانت هناك أدعية كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا مرض نفث بها على نفسه، فعائشة (ض) كذلك كانت تنفث عليه بتلك المعوذات والأدعية وتمسح بيده (١)، وكان الناس عكوفا ينتظرون النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد لصلاة الصبح، فكلما ذهب لينوء أغمي عليه، فقال: ((مروا أبا بكر فليصل بالناس) قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه، فلو أمرت غير أبي بكر، قالت: والله ما بي إلا كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم في مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت: فراجعته مرتين أو ثلاثا، فقال: ((ليصل بالناس أبو بكر، فإنكن صواحب يوسف)) (٢).

وكان - صلى الله عليه وسلم - قد ترك شيئا من الذهب عند عائشة (ض) قبل مرضه الذي مات فيه، فتذكره في مرضه فقال لعائشة: يا عائشة ما فعلت بالذهب؟ فجاءت ما بين الخمسة إلى السبعة أو الثمانية أو التسعة، فجعل يقلبها بيده ويقول: ما


(١) أشار به المؤلف إلى الحديث الذي رواه البخاري عن عائشة (ض) قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث، وأمسح بيد النبي - صلى الله عليه وسلم - (البخاري في صحيحه كتاب المغازي برقم ٤٤٣٩، ومسلم في صحيحه كتاب السلام برقم ٢١٩٢، وأبو داود في سننه كتاب الطب برقم ٣٩٠٢، وابن ماجه في سننه كتاب الطب برقم ٣٥٢٩).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الأذان برقم ٦٨٧، والإمام مسلم في صحيحه كتاب الصلاة برقم ٤١٨.

<<  <   >  >>