للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقبره، وهي لا تحسب أنها قد فارقت منه غير مشهد جثمانه، فقد كانت تزوره زيارة الأحياء.

كما أنها كانت تزور القبر الشريف من دون حجاب ثلاث عشرة سنة متوالية إلى أن توفي عمر بن الخطاب (ض) (١)، فلما دفن عمر معهما جعلت بعدها تنتقب وتلبس ملابس الحجاب، وهي تزور أولئك الأصحاب المتجاورين كأنهم على قيد الحياة.

هذا وقد حرم الله تعالى على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوجن بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

قال رجل من سادات قريش: ((لو توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتزوجت عائشة)) (٢) فلما كان هذا الأمر مخالفا للمصالح الدينية والسياسية، وحطا من شأن النبوة أنزل الله تعالى قوله: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: ٦] وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: ٥٣].

والأصل في هذا أن الأزواج المطهرات اللاتي أكرمهن الله تعالى بصحبة نبيه الحبيب - صلى الله عليه وسلم - في حله وترحاله، عشن في كنفه حاملات لتعاليمه، حافظات لسنته، وبخاصة سنته عليه الصلاة والسلام في بيته، التي لم يطلع عليها في الأغلب أحد سواهن لم تكن بقايا حياتهن إلا لكي يقمن بواجب نشر وإشاعة الدروس والتعليمات التي تلقينها من الحبيب المصطفى الزوج المبارك المعظم طول حياتهن، وألا يصرفن شيئا من حياتهن إلا في تأدية هذا الواجب، كن أمهات المؤمنين، فكانت مسؤوليتهن تعليم أبنائهن وتربيتهم، وكن المرجع الأول فيما حفظ عندهن من آي القرآن، وما حفظنه من السنن والأحاديث، حتى كانت بيوتهن مثابة الزوار من أبنائها وبناتها.


(١) انظر: المستدرك للحاكم ٨/ ٤ برقم ٦٧٢١.
(٢) ذكره الإمام القرطبي في تفسيره ٢٢٨/ ١٤، والبيهقي في السنن الكبرى ٦٩/ ٧ برقم ١٣١٩٦.

<<  <   >  >>