والأمانة والزهد والورع مثل ما كان في آبائهم من كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فوصل الأمر إلى غضبهم وثورتهم ضد الخليفة.
وفوق ذلك كله فإن العرب كانوا يعتبرون الاستعباد العجمي وصمة عار على جبين شرفهم وسعادتهم، إذ إنهم قد نشؤوا وترعرعوا في بيئة تتمتع بالحرية والاستقلال، فلما جاء الإسلام نفخ فيهم روحا جديدة، وجعل كل القبائل في ميزان واحد وتحت قوة واحدة. وكبار الصحابة الذين كانوا هم رعاة تعاليم الإسلام وتربيته الأصيلة كانوا يراعون هذا الجانب دائما، ولما جاء من حلفهم من المسؤولين وأصحاب المناصب الرفيعة والمراتب العالية، تناسوا هذا الدرس العظيم، وبدؤوا يتظاهرون علنا بشرفهم القبلي والأسرى ويتفاخرون به ويتباهون باستقلالهم الشيخصي في مجالسهم وزواياهم، فشق ذلك على القبائل العربية الأخرى، فزعموا أن الفتوحات التي حصلت بعد العهد النبوي في كل من إيران والشام ومصر وبلاد أفريقية، كلها كانت بسبب سيوفهم، ولذا بإنهم يستحقون نصيبهم وسهامهم بالتساري والتعادل.
أما الأعاجم الذين كانوا حديثي العهد بالإسلام فهم على طبيعتهم السابقة، لم يكونوا راضين بحكم قريش أو بني أمية فحسب، بل كانوا لا يعجبهم أن تكون السلطة بيد العرب أساسا وهم يحكمون عليهم، ولذا فإنهم كانوا يحبون أن يساهموا في كل فتنة أو ثورة تثار ضد الحكومة، والموقع الجغرافي لبلاد الكوفة كان نقطة اتصال بين العرب والعجم، ومن ثمة بدأت الفتنة، وكانت هناك أكبر المجتعات للقبائل العربية، كان واليها سعيد بن العاص، وكان سادات معظم القبائل الموجودة في البلد يجتمعون في ديوانه بالليل، حيث يتحدثون حول موضوع الحروب التي خاضتها العرب، كما يتطرق حديثهم إلى موضع أنساب العرب ومفاخر الآباء والأجداد، وكل قبيلة تزعم نفسها أعلى وأرفع من الأخرى، وتكون نهاية الحديث مؤلمة، فينهون كلامهم وسمرهم بالتشاجر والتهاوش والتجادل والسب والشتم، وسعيد بن العاص يغتنم هذه الفرصة لإظهار مفاخر قريش، الأمر الذي يزيد الطين بلة، فاشتكى سادات القبائل أخلاقه وسلوكه، وأدت هذه الظاهرة السيئة إلى نشوء