للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

((ورب محمد)) وإنما كانت تحلف فتقول: ((لا ورب إبراهيم)) (١) كل ذلك من أنواع وطرق التدلل للحبيب، ينبغي أن ينظر إليه بنظرة العلاقة الزوجية.

كان عبد لله بن الزبير يخدم عائشة (ض) ومن أحب البشر إليها وأبر الناس بها، وكان من عادتها (ض) أنها لا تمسك شيئا مما جاءها من رزق الله إلا تصدقت به، فقال لها ابن الزبير: ينبغي أن يؤخذ على يديها، فقالت: أيؤخذ على يدي؟ علي نذر إن كلمته، فاستشفع إليها برجال من قريش وبأخوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - خاصة فامتنعت (٢).

قلما يوجد شخص يكون أبيا صاحب غيرة وأنفة، ويكون عادلا منصفا في الوقت نفسه، فاجتماع صفة الإباء والعدل في وقت واحد في شخص يعد من النوادر، ولا ينالها إلا من حاز أعلى درجات الأخلاق النبيلة وقمة السلوك الطيب، إلا أن عائشة (ض) التي ربتها اليد النبوية الكريمة، كان من أهم خصائصها ومميزاتها الجمع بين تلك الصفات وأنواع الأخلاق التي ظاهرها التضاد ويصعب على كل من هب ودب أن يجمعها، وبالتالي فكانت (ض) تتصف بصفة العدل والإنصاف مع كونها أبية النفس، فقد أخرج الإمام مسلم (ح) في صحيحه عن عبد الرحمن بن شماسة قال: أتيت عائشة أسألها عن شيء، فقالت: ممن أنت؟ فقلت: رجل من أهل مصر، فقالت: كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذه؟ فقال: ما نقمنا منه شيئا، إن كان ليموت للرجل منا البعير فيعطيه البعير، والعبد فيعطيه العبد، ويحتاج إلى النفقة فيعطيه النفقة، فقالت: اما إنه لا يمنعني الذي فعل في محمد بن أبي بكر أخي أن أخبرك ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في بيتي هذا: ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به)) (٣).


(١) أخرج البخاري في صحيحه كتاب النكاح برقم ٥٢٢٨ وكتاب الأدب برقم ٦٠٧٨، صحيح الإمام مسلم كتاب فضائل الصحابة برقم ٢٤٣٩.
(٢) صحيح البخاري باب مناقب قريش برقم ٣٥٠٥.
(٣) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر برقم ١٨٢٨، وابن حبان في صحيحه ٣١٣/ ٢ برقم ٥٥٣.

<<  <   >  >>