للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتبين من الأحاديث أن عائشة (ض) قد رسخت في نفسها هذه الأصول فنرى أنها الوحيدة التي روت لنا حديث صلاة التراويح وقد صلاها النبي - صلى الله عليه وسلم - وصلى معه الناس ثلاث ليال، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، فلم يحضر النبي - صلى الله عليه وسلم - وخرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال: ((أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم، ولكني خشيت أن تفترض عليكم فتعجزوا عنها)) (١).

فيتضح من هذا أن عائشة (ض) كانت تعرف أن ما واظب عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من دون ترك فإنه يصبح مؤكدا، وما يتركه أحيانا فلا يكون مؤكدا ولا يصل إلى درجة الوجوب.

وكان عبد الله بن عمر (ض) لا يرى تقسيم السنة إلى عبادة وعادة، بل إنه كان يقول إن كل ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - عبادة أو عادة مثل قضاء الحاجات البشرية، والمقتضيات الإنسانية، أو فعل شيء لسبب أو مصلحة مؤقتة، كل ذلك عنده من عداد السنة التي ينبغي اتباعها للمسلم، ولذلك روي أنه كان يتتبع أفعال النبي عليه الصلاة والسلام حتى في منازل السفر، فلو عرف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ في المكان الفلاني، كان يتوضأ فيه، ولو لم تكن عنده حاجة إلى الوضوء.

لكن أم المؤمنين عائشة (ض) وكذلك ابن عباس (ض) كانا يقولان بذلك التقسيم، ولذلك لم تعتبر عائشة (ض) نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأبطح سنة، تقول (ض): ((نزول الأبطح ليس بسنة، إنما نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأنه كان أسمح لخروجه إذا خرج)) (٢).


(١) الحديث بالتفصيل أخرجه البخاري في صحيحه كتاب صلاة التراويح برقم ٢٠١٢، ومسلم في صحيحه كتاب صلاة التراويح برقم ٧٦١، والنسائي في سننه كتاب قيام الليل برقم ١٦٠٤، وأبو داود في سننه كتاب الصلاة برقم ١٣٧٣.
(٢) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه كتاب الحج برقم ١٣١١، والبخاري في صحيحه =

<<  <   >  >>