للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أسيد بن حضير - أحد كبار الصحابة وأجلتهم - فلما وصلوا ذا الحليفة كان غلمان من الأنصار تلقوا أهليهم، فلقوا أسيد بن حضير فنعوا له امرأته فتقنع وجعل يبكي، فقالت له عائشة: ((غفر الله لك أنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولك من السابقة والقدم، مالك تبكي على امرأة؟)) (١).

ومن المعروف أن الكعبة المشرفة تكسى كل عام كساء جديدا وينزع عنها الكساء القديم، وكان من عادة متولي الكعبة أنه كان يدفن الكساء القديم بعد نزعه منها لكي لا تصيبها يد نجسة، وإن شيبة بن عثمان هو الذي كان في يده مفتاح الكعبة، فدخل على عائشة (ض) فقال: ((يا أم المؤمنين إن ثياب الكعبة تجتمع علينا فتكثر، فتعمد إلى آبار فنحتفرها فنعمقها ثم ندفن ثياب الكعبة فيها كي لا يلبسها الجنب والحائض)) فأدركت عائشة (ض) بفهمها روح الشريعة ومقاصدها أن هذا التعظيم لثياب الكعبة أمر غير شرعي، لم يأمر به الله تعالى ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ويمكن أن يسبب ذلك إفساد العقائد في الزمن التالي، فقالت له: ((ما أحسنت ولبئس ما صنعت، إن ثياب الكعبة إذا نزعت منها لم يضرها أن يلبسها الجنب والحائض، ولكن بعها واجعل ثمنها في المساكين وفي سبيل الله)) (٢)، ولعل تقطيع ثياب الكعبة بقطعات ثم بيعها صار بعد هذه الواقعة، وتمكن المسلمون من شرائها يتبركون بها وينظرون إليها بنظر الاحترام والإجلال، ولا شك أن فضل ذلك يرجع إلى عائشة (ض) التي فتحت باب اقتناء هذه البركة والحصول عليها؛ جاء شخص (يعتقد أنه أبو هريرة (ض) إلى المسجد النبوي بجانب حجرة عائشة (ض) وبدأ يحدث الناس بصوت عال حتى يسمعها، وكانت هي تصلي، فلما فرغت من صلاتها مر بها عروة فقالت له: ألا يعجبك أبو فلان جاء وجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -


(١) الحاكم في المستدرك ٢٢٨/ ٣ برقم ٤٩٢٧، وأورده الهيثمي في مجمع الزواد ٩/ ٣٠٨، وأحمد في المسند ٤/ ٣٥٢، وابن أبي شيبة في المصنف ٧/ ٣٧٦ برقم ٣٦٨٠٣.
(٢) البيهقي في السنن الكبرى ٥/ ١٥٩ برقم ٩٥١٢، والفاكهي في أخبار مكة ٥/ ٢٣١ برقم ٢١٠، والزركشي في الإجابة ص ١٦١.

<<  <   >  >>