للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأكرمهن الله تعالى به ثيبات تجاوزن سن الصبا إلا عائشة (ض)، فكانت هي الوحيدة في الاستفادة الخالصة من فيوض النبوة، ولما دخلت في سن طلب العلم والدراسة غشيتها أنوار السعادة، وأخذت بها إلى دار مباركة، ألا وهي دار النبوة والرسالة، ولم يكن كل ذلك إلا لكي تبرز شخصيتها، وتصبح منارة نور وهداية، ومنبع خير وبركة تستقي منها النساء، ويرجعن إليها في كل ما تراجع فيه السنن النبوية من شؤون عامة وخاصة.

وكان أبوها أبو بكر الصديق (ض) أعلم قريش بأنسابها والشعر (١)، بل كل ما كان ينشده شعراء الإسلام من القصائد القيمة البالغة أعلى قمة من الأدب والبلاغة للرد على شعراء قريش الذين ينالون من الإسلام، لم يكن ليتم ذلك إلا باستشارة أبي بكر (٢)، فترعرعت عائشة في حضن هذا الوالد العظيم، وكانت بنت أبيها في أكثر من خصلة، ولكنها كانت أشبه ما تكون به في صفة الذكاء المتوقد، والبديهة الواعية، ولم تقصر فيها عن شأوه، بل لا نحسبها قصرت عن شأو واحد من معاصريها من الرجال والنساء على السواء في سرعة الفهم، وقدرة التحصيل، والإحاطة بكل ما يقع في متناول ذهنها، فكانت تقتدي بأبيها في حفظ الأخبار والأنساب، وكانت تواقة إلى معرفة تواريخ الأمم. وغزارة العلم بينة في لغة السيدة عائشة، فقد كان لها أسلوب في اللغة لا يتهيأ بغير محصول كبير من أخبار العربية التي تستقى من أعرق مصادرها، وذلك لأنها كانت قد قبست من ميراث طباع وملكات أبيها الأدبية والشعرية (٣)، وذوقه الرفيع وجودة القريحة.


(١) يراجع: صحيح الإمام مسلم باب مناقب حسان (ض) برقم ٢٤٩٠، وسنن البيهفي الكبرى. ٢٣٨/ ١، والمعجم الكبير للطبراني ٣٨/ ٤ برقم ٣٥٨٢.
(٢) حيث قال. لحسان: ائب أبا بكر فإنه أعلم بأنساب القوم منك، فكان يمضي إلى أبي بكر ليقف على أنسابهم، فكان يقول له: كف عن فلانة وفلانة واذكر فلانة، فجعل حسان يهجوهم، فلما سمعت قريش شعر حسان قالوا: إن هذا الشعر ما غاب عنه ابن أبي قحافة، أو من شعر ابن أبي قحافة (الاستيعاب لابن عبد البر ٣٤٢/ ١).
(٣) أحال المؤلف (ح) إلى مستدرك الحاكم، وقد ورد في المستدرك عدة أحاديث في هذا المعنى:
منها: عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ما رأيت أحدا أعلم بالحلال والحرام والعلم =

<<  <   >  >>