للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أشكالها، ومما لا شك فيه أن من الأنثويات الخالدة في طبيعة المرأة دلالها ومغاضبتها، وهي أشوق ما تكون إلى المصالحة وتقصير أمد المغاضبة، وقد يشكل ذلك على عامة الناس حيث إنهم ينظرون إلى ما ورد في كتب الأحاديث مما يدل على الدلال والمغاضبة، ويرون في مخاطبة الرسول أزواجه بهذا الأسلوب أنه خطاب من الرسول لأمته، وينسون أن زوجة تخاطب زوجها، أو زوجا يخاطب زوجته، ولذا فينبغي بل يجب أن تدرس أمثال هذه الوقائع التي سجلتها كتب الأحاديث في بطونها، بالطريقة الصحيحة، وتحمل على محملها الصحيح.

ومن هذا النوع قول عائشة (ض): كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأقول: أتهب المرأة نفسها، فلما أنزل الله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب: ٥١] قلت: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك (١). فلم يكن قصد عائشة (ض) من ذلك الاعتراص أو الإشكال، وإنما كان ذلك نوعا من التدلل والدعابة والانبساط من الزوجة لزوجها.

والخواص يعرفون معنى كلام عائشة (ض)، وهو أن الله عز وجل يحقق كل ما يتمناه حبيبه ويشتهيه، ويكون الهدف من وراء ذلك هو تثبيت قلبه وإحكامه على عمل الدعوة.

إلا أننا رأينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تتغير عادته حتى بعد آية التخيير، فكان - صلى الله عليه وسلم - يستأذن أزواجه كلهن في نوبتهن ودورهن، تقول عائشة: ((إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يستأذن في يوم المرأة منا بعد أن أنزلت هذه الآية: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ...} (٢).


(١) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب تفسير القرآن برقم ٤٧٨٨، ومسلم في صحيحه كتاب الرضاع برقم ١٤٦٤، والنسائي في سننه كتاب النكاح برقم ٣١٩٩، وابن ماجه في سننه كتاب النكاح برقم ٢٠٠٠.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب تفسير القرآن برقم ٤٧٨٩، ومسلم في صحيحه كتاب الطلاق رقم ١٤٧٦، وأبو داود في سننه كتاب النكاح برقم ٢١٣٦.

<<  <   >  >>