للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكن هناك فرق بين عدم الصلاة على هذا وعدم الصلاة على الذي سبق، فهذا لا يصلى عليه لعظيم منزلته ولمكانته الرفيعة العالية , ولعدم حاجته لشفاعة أحدٍ، فهو الذي يشفع في الناس، وذاك لا يُصلى عليه لخسة منزلته وقلتها، وليكون ترك الصلاة عليه رادعاً له.

والصلاة هي شفاعة من المصلين للمُصلَّى عليه وترحم له، والشهيد هو الذي يَشفع في الناس، وليس بحاجة لشفاعتهم.

ولا يُصلى على الشهيد، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُصل على شهداء أحد (١).

قال رحمه الله: (ويُصَلَّى على القبرِ وعلى الغائبِ)

المقصود بالصلاة على القبر هنا صلاة الجنازة، وأما الصلاة التي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صلاتها إلى القبر، إنما هي تلك الصلاة المعروفة، التي هي الأفعال والأقوال المخصوصة التي تؤدى في أوقات مخصوصة، صلاة الظهر أو العصر أو غيرها من الصلوات التي فيها ركوع وسجود, فهذه لا يجوز أن تُصلى لا على قبر ولا إلى قبر ولا في مقبرة كل ذلك قد نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - , وكفى نهياً في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (٢).

أما صلاة الجنازة فصلاة أخرى ليس فيها ركوع ولا سجود, وهذه تُشرع على القبر لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت عنه في «الصحيحين» (٣) أنه صلى على قبر المرأة التي كانت تقمُّ المسجد - أي تنظفه - وكان الصحابة قد دفنوها بليل وكان عليه السلام يريد الصلاة عليها , وكان نائماً، فخشي أصحابه أن يزعجوه لو أيقظوه، فتركوه نائماً وصلوا عليها في الليل ودفنوها , فلما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب وصلى على قبرها، وقد صحّ عنه ذلك في الصحيحين وغيرهما، وصلى معه أيضاً بعض الصحابة كما جاء في أحاديث أخرى (٤).


(١) أخرجه البخاري (١٣٤٣).
(٢) أخرجه البخاري (٤٣٥)، ومسلم (٥٢٩).
(٣) أخرجه البخاري (٤٦٠)، ومسلم (٩٥٦).
(٤) انظر «السنن الكبرى» للبيهقي (٤٠/ ٧٩).

<<  <   >  >>