للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أي كان قوم نوح على التوحيد، وكان فيهم رجال صالحون، فلما ماتوا جاءهم الشيطان وقال لهم صوروا لهم صوراً تتذكرونهم بها وتعبدون الله كعبادتهم فصوروا لهم صوراً وجعلوها في ناديهم، فلما مات هؤلاء القوم ونُسي العلم - وهذه مسألة مهمة جداً - فلما لم يعد بينهم علماء يبينون لهم الحق من الباطل، جاءهم الشيطان وقال لهم بأن أسلافكم كانوا يعبدون هذه الصور فعبدوها فوقع الشرك في الناس.

ثم أرسل الله تبارك وتعالى نوحاً لهؤلاء القوم كي يردهم إلى التوحيد بعد أن حصل فيهم الشرك.

ثم عادت الكرة من جديد، واتخذ الناس كثيراً من القبور - في زماننا هذا - آلهة تعبد مع الله تبارك وتعالى , تجدهم يطوفون حول القبر, يذبحون لصاحب القبر, يتضرعون له وكأنهم يدعون الله، بل لعلهم لا يخلصون في أدعيتهم لهم كإخلاصهم لله أو أشد، فيعبدون القبر كأنهم يعبدون الله تماماً، وهذا هو الشرك بعينه، وهذا الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحذِّر منه فقال: «اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد» (١)، فكان يخشى - صلى الله عليه وسلم - من هذا الشيء.

فلابد من الحذر من هذا الأمر، فكل هذه الأوامر التي جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في القبور، خشية أن يقع الناس في الغلو ومجاوزة الحد فيها, ومع ذلك فلا يمنع ذلك من احترامها وتقديرها وإعطائها حقها كما سيأتي.

قال: (وتَسْرِيجِها)

تسريجها: يعني إضاءة السُرُجِ، جمع سراج وهو الضوء , سواء كان بطرق الإضاءة التي كانت عندهم قديماً كالفوانيس وغيرها أو كالطرق الموجودة عندنا اليوم وما شابه.

فأية طريقة من طرق الإضاءة هذه لا تجوز على القبر، بناءً على حديث عند أبي داود (٢)، لكنه ضعيف.

قال ابن قدامة تعليقاً على عدم جواز اتخاذ السُّرُجِ على القبور: «لأن فيه تضييعاً للمال في غير فائدة، وإفراطاً في تعظيم القبور أشيه تعظيم الأصنام» (٣).


(١) تقدم تخريجه.
(٢) في «سننه» برقم (٣٢٣٦) عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج»، وقد تقدّم تخريجه وبيان علّته.
(٣) «المغني» (٢/ ٣٧٩).

<<  <   >  >>