للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال عليه الصلاة والسلام: «اللهم لا تجعل قبري وثناً» (١) وفي «مسلم»: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها ولا عليها» (٢).

فهذا كله يدل على تحريم اتخاذ القبور مساجد.

قال أهل العلم: الصلاة في المقبرة باطلة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك , وبما أنه نهى عنها في المقبرة، إذاً فالصلاة لا تصح ولا تجوز في المسجد الذي في المقبرة، سواء كان القبر قبل المسجد أو المسجد قبل القبر، كله لا يجوز الصلاة فيه، لأنها أصبحت مقبرة، فقبر ومسجد لا يجتمعان البتة، إما قبر أو مسجد.

وكل هذا، لئلا نقع فيما وقع فيه أولئك من غلو في الصالحين، فإنه أول الشرك.

قال رحمه الله: (وزَخْرَفَتُها)

أي: وتحرم زخرفة القبور، لأنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن البناء عليها وتجصيصها.

قال جابر بن عبد الله: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُجَصَّصَ القبرُ وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه» (٣).

و«التجصيص»، هو التبييض, أي استعمال الجص - وهو الجبس - في تبيض القبور.

فهذا يدل على تحريم تزيين وزخرفة القبور. وكل هذا سداً لذريعة الغلو في القبور، لأن أصل الشرك بالله كان سببه الغلو في الصالحين , ومجاوزة الحد فيهم، وذلك أنَّ ابن عباس - رضي الله عنه - قال: «صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما وّدًّ كانت لكلب بدومة الجندل، وأما سُواعَ كانت لهذيل، وأما يَغوثَ فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجوف، عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نّسْر فكانت لحِمْيَر لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم، أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تُعْبَد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عُبِدَت» (٤).


(١) أخرجه أحمد (١٢/ ٣١٤)، والحميدي في «مسنده» (١٠٥٥).
(٢) برقم (٩٧٢).
(٣) أخرجه مسلم (٩٧٠).
(٤) أخرجه البخاري (٤٩٢٠).

<<  <   >  >>