وهذا الزعم باطل، لأنه لو كان هذا صحيحاً لما احتيج أن يذكر من ذكر من الأصناف، لأنهم كلهم في سبيل الله، ولما قال الفقراء والمساكين وغيرهم، ولقال من أول الأمر في سبيل الله.
ولكن (في سبيل الله) هنا كما فسّرها السلف قاطبة، هو الجهاد في سبيل الله، أي المجاهدون في سبيل الله، سواء كانوا المحاربين أو طلبة العلم الشرعي فكله جهاد في سبيل الله، فهؤلاء يجاهدون بالسيف، وطلبة العلم الشرعي جهادهم جهاد في سبيل الله باللسان والقلم، ولا يقلُّ فضله ومكانته عن الجهاد بالسيف، ويحتاج لصبر وهمم عالية، وهو أعظم الجهادين على الصحيح.
ومما يدل على أن هذا جهاد، قول الله عز وجل:{وجاهدهم به جهاداً كبيراً}[الفرقان: ٥٣]، ومعناه جاهدهم بالقرآن، أي بالعلم الشرعي، فهو إذن جهاد، فطالب العلم الشرعي يُعطى كفايته من مال الزكاة ليستمر في طلبه، ولا يشغل نفسه في طلب الرزق وليتمكن من نصرة دين الله بالعلم الشرعي.
وقد نص على هذا غير واحد من العلماء، كالنووي وغيره.
(وابن السبيل) وهو المسافر المنقطع عن بلده وأهله وماله، الذي يحتاج المال، فيُعطى ما يوصله إلى بلده إذا لم يجد من يقرضه.
أما إذا وجد من يقرضه، فهو غني بهذا القرض، وعندما يرجع يرد القرض.
ولا يجب أن تصرف الزكاة في كل هذه الأصناف، فلو كان لشخص ألف دينار زكاة ماله، فلا يجب عليه أن يبحث عن شخص من كل صنف من هذه الأصناف لينفق عليهم من مال زكاته فلا يوجد دليل على ذلك، ولو أنه صرفها في صنف واحد لجاز وأجزأت عنه.
والآية بينت جنس من يستحق الزكاة فقط، فهؤلاء من يستحقون الزكاة، فلك أن تنفق زكاتك في الصنف الأول أو الثاني أو الثالث، إلى آخره.
وفي حديث معاذ:«تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم» دليل على ما قلنا، فإنه لم يذكر كل الأصناف.