قال المصنف:(وإذا رآه أهل بلد لزم سائر البلاد الموافقة)
فإذا رُئي في الأردن هنا مثلاً، لزم جميع دول الإسلام أن تصوم معنا، وإذا رُئي في مصر لزم جميع البلاد أن تصوم معهم، هذا مقتضى كلام المؤلف رحمه الله.
والأحاديث المتقدمة التي فيها الأمر بالصيام والفطر لرؤية الهلال تدل على ما ذكره المصنف، فإن قوله - صلى الله عليه وسلم -: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، خطاب لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - كلها، فإذا رُئِيَ في أي بلد لزمنا أن نصوم وأن نفطر.
وخالف البعض، فقالوا لكل أهل بلد رؤيتها، واستدل هؤلاء بحديث كُرَيب عند مسلم وغيره:«أنه استهل عليه هلال رمضان وهو بالشام، فرأى الهلال ليلة الجمعة فقدم المدينة فأخبر بذلك ابن عباس، فقال ابن عباس: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، ثم قال هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -»(١)، أي أن كريباً كان في الشام واستهل عليه الهلال - أي رآه - ليلة الجمعة - أي الخميس ليلاً، وهو ما يسمى ليلة الجمعة، فإن الليل يسبق النهار - فلما أخبر ابن عباس، قال إنا رأيناه ليلة السبت، ففهم البعض من هذا الحديث أن ابن عباس قال: هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أي أن كل بلد يعمل برؤيته ولا يلزمه أن يعمل برؤية البلاد الأخرى.
وهذا الحديث ليس فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بأن لا يعملوا برؤية غيرهم من أهل الأمصار، وكلامه ليس صريحاً أنه من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، والظاهر أنه استدلال من ابن عباس، فذهب - رضي الله عنه - إلى أن المراد بالرؤية رؤية أهل المحل.
والظاهر أن قوله «هكذا أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم -» إشارة إلى قوله: «فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه»، هذا الذي وردت به الأحاديث.
أما الشطر الأول، فلم يرد فيه حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فحمل كلام ابن عباس في معرفة المرفوع من كلامه على المعنى الأول خطأ، لأن المعنى الثاني هو الذي وردت الأحاديث في تصديق أنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فحمل الكلام على ما هو موجود ومروي أولى من حمله على شيء محتمل، وإذا ثبت عندنا أن هذا اجتهاد من ابن عباس، فلا يكون محل دلالة، والصحيح هو الأخذ بظاهر الأحاديث المتقدمة «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته».