للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكن خالف ابن عباس في قوله هذا سلمة بن الأكوع، قال سلمة: «كان من أراد أن يُفطِر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها» (١)، أي، كان الصيام بالخيار ما بين أن تصوم أو أن تفدي فتطعم مسكيناً عن اليوم، ثم نسخ حكم التخيير بالآية التي بعدها وهي قول الله {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}.

وظاهر الآية مع سلمة وليس مع ابن عباس، لأن الله سبحانه تعالى قال: {وعلى الذين يطيقونه}، ولم يقل: على الذين لا يطيقونه، وفرق بين الأمرين.

لكنَّ ابن عباس يستدل بقراءة له هي قراءة شاذة «وعلى الذين يطوقونه»، أي الذين يصعب عليهم الصيام، وهي قراءة شاذة، وكما تقرر في أصول الفقه أن القراءة الشاذة لا يُعتمد عليها، إنما الاعتماد يكون على القراءة المتواترة.

فعلى ذلك فالإطعام حكم منسوخ فلا يكون عندهم حجة على إلزام الكبير الذي لا يقدر على الصيام أو المريض الذي لا يُرْجى برؤه، بالإطعام.

لكن إن أطعم خروجاً من الخلاف فأفضل ولا نلزمه بذلك.

وهذا الذي ذهبنا إليه هو مذهب الإمام مالك - إمام دار الهجرة - وقول للإمام الشافعي.

قال المؤلف: (والصائم المتطوع أميرُ نَفْسِهِ، لا قضاء عليه ولا كفارة)

أي أن الذي يصوم صيام نافلة متطوعاً له أن يُكمل صيامه وله أن يُفطر قبل أن يكمله، فله أن ينقضه ويتركه وله أن يُكمل الصيام، ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «دخل عليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال: «هل عندكم شيء؟ »، فقلنا: لا، قال: «فإني إذن صائم»، ثم أتانا يوماً آخر فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حَيْسٌ، فقال: «أرينيه فلقد أصبحت صائماً» فأكل»، قال طلحة: «فحدثت به مجاهداً - مجاهد بن جبر -، فقال: ذاك بمنزلة الرجل يُخرج الصدقة من ماله فإن شاء أمضاها وإن شاء أمسكها» (٢).

فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أصبح صائماً ثم أكل وترك صيامه، فدلَّ ذلك على أن المتطوع أمير نفسه.


(١) أخرجه البخاري (٤٥٠٧)، ومسلم (١١٤٥).
(٢) أخرجه مسلم (١١٥٤).

<<  <   >  >>