للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما تحريم مكة فمأخوذ من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة: «إن مكة حرَّمها الله ولم يُحَرِّمها الناس فلا يَحِلّ لامرئٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أنْ يسفك فيها دماً، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخّص بقتال رسول الله فيها، فقولوا له: إن الله أذن لرسوله، ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتُها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلّغ الشاهدُ الغائبَ» (١).

فالمُحَرَّم الأول في مكة هو سفك الدم، فالقتل فيها مُحَرَّم.

والمُحَرَّم الثاني هو قطع الشجر، لقوله «ولا يَعضد بها شجرة»، وهو ما استدلّ به المؤلف على كلامه.

وقوله: «فإن أحد ترَّخص لقتال رسول الله فيها فقولوا له: إن الله أَذِن لرسوله ولم يأذن لكم»، معناه إذا جاء أحد واستدل بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قاتل أو دخل مُقاتلاً إلى مكة، فيجوز لنا القتال، فقولوا له: بأن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم.

وأما المُحَرَّم الثالث، فهو تنفير الصيد، ودليله ما جاء في رواية: «ولا يُنَفَّر صيدها، ولا يُختلى شوكها، ولا تحِلُّ ساقطتها إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يُفدى، وإما أن يُقتل» فقال العباس: إلا الإذخر يا رسول الله، فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إلا الإذخر» (٢) متفق عليه.

وتنفير الصيد أبلغ من القتل، فليس فقط أن لا يصطاد فيها، بل يَحرُم أيضاً أن يُنفِّر صيدها، أي أن يزعجه من مكانه الذي هو فيه ويطرده منه، فهذا أبلغ من القتل.

والصيد هو ما يصطاد.

المُحَرَّم الرابع: «ولا يُختلى شوكها»، أي لا يُقطع حتى الشوك الذي فيها.

المحرم الخامس: «ولا تَحِلّ ساقطتها إلا لمُنْشِد»، والساقطة ما يسقط من الناس من ممتلكاتهم، أي الشيء الذي يضيع، وتسمى لُقَطَةً، وهذه اللُقطة لا تَحِلّ إلا لمُنْشِد.

والمنشد، هو الذي أخذها ليُبَلّغ عنها ويبحث عن صاحبها فقط، أما غير ذلك فلا تَحِلّ ألبتة.


(١) أخرجه البخاري (١٨٣٢)، ومسلم (١٣٥٤).
(٢) أخرجه البخاري (١٣٤٩)، ومسلم (١٣٥٣).

<<  <   >  >>