وقد صحّ عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال:«جاء ثلاثة رَهطٍ إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما أُخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»(١)
ومعنى تقالّوها: أي رأوها قليلة.
فهذا يدلّ على أنّ ترك الزواج للمبالغة في التعبُّدِ محرم شرعاً.
قال المؤلف رحمه الله:(إلّا لِعَجْزٍ عَنِ القِيامِ بِما لابُدَّ مِنْهُ)
فالتبتل غير جائز إلّا لعجز عن القيام بما لابد منه في النكاح؛ فله أن ينقطع عن النكاح.
كأن يكون الرجل غير قادر على جماع النساء، أو غير قادر على تحمل مسؤولية البيت وما يحتاج إليه من نفقة ورعاية وغير ذلك؛ لما ثبت للمرأة والأولاد من حقوق في الإسلام واجبة لهم على الزوج، فمن لم يكن قادراً على إعطائهم حقوقهم والقيام بواجبهم فلا يتزوج.
هذا الصنف من الناس اليوم كثير وكثير جداً؛ فإنهم يتزوجون وهم ليسوا أهلاً للزواج، بل ويُطالب الرجل زوجته بحقوقه، ولا يريد أن يعطيها ولا يعطي أولاده حقوقهم، مثل هذا عدم زواجه خير له من أن يُراكم على نفسه الآثام والذنوب والحقوق الكثيرة.