للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذا تعذر الحمل على الصّحة ننتقل إلى ثالث وهو الكمال، ولكن لا ننتقل إلى الكمال ونترك الصّحة إلّا إذا وُجدت قرينة تبين ذلك.

مثال على ذلك:

قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» (١) هذا فيه نفي للإيمان عن الزاني،

أهو نفي للصّحة؟ لا؛ الصحة موجودة، أي صحة الإيمان، لأننا لو قلنا إنّه نفي للصّحة تعارض هذا الحديث مع حديث أبي ذر؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة» قال أبو ذر: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله، قال: «وإن زنى وإن سرق»، حتى قال: «وإن زنى وإن سرق وإن رغم أنف أبي ذر» (٢)، فدلّ ذلك على أنّ الزاني يدخل الجنة في نهاية أمره.

إذن نفي الإيمان عنه نفي لكمال الإيمان الواجب.

يقول ابن تيمية -رحمه الله-: «إنّ النفي لا يأتي على نفي الكمال المستحب البتة»، لا ينفي الله -تبارك وتعالى- العمل ويكون المعنى المراد من ذلك نفي الكمال المستحب البتة، إذا نفى العمل فإمّا أن ينفي صحته أو أن ينفي كماله الواجب.

إذن فالنفي المراد بقوله: «لا نكاح إلّا بوليٍّ» هونفي الصحة، أي لا نكاح صحيح إلّا بوليٍّ، فيدلّ ذلك على أنّ الوليَّ شرطٌ من شروط صحة عقد النّكاح.

وهناك أدلة أخرى استدل بها العلماء على شرطية الوليِّ في النّكاح منها: قول الله تبارك وتعالى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ... } [البقرة الآية ٢٣٢].

قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: «هي أصرح آية في اعتبار الوليِّ وإلّا لما كان لعضله معنى» (٣)، والعضل هو: منع وليِّ المرأةِ المرأةَ التزويج.


(١) أخرجه البخاري (٢٤٧٥)، ومسلم (٥٧) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه البخاري (٥٨٢٧)، ومسلم (٩٤) من حديث أبي ذر - رضي الله عنه -.
(٣) انظر «إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري» (٨/ ٤٩) للقسطلاني
ومعنى ما ذكر عن الشافعي في «الأم» له (٥/ ١٣).

<<  <   >  >>