للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الحافظ ابن حجر في الفتح (١):

قال النووي: النهي عن بيع الغرر أصل من أصول البيع فيدخل تحته مسائل كثيرة جداً.

ويستثنى من بيع الغرر أمران:

أحدهما: ما يدخل في المبيع تبعاً فلو أفرد لم يصح بيعه.

والثاني: ما يتسامح بمثله إما لحقارته أو للمشقة في تمييزه وتعيينه.

فمن الأول: بيع أساس الدار، والدابة التي في ضرعها اللبن، والحامل.

ومن الثاني: الجبة المحشوة، والشرب من السقاء.

قال: وما اختلف العلماء فيه مبني على اختلافهم في كونه حقيراً أو يشق تمييزه أو تعيينه فيكون الغرر فيه كالمعدوم فيصح البيع وبالعكس. انتهى

قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: وقد يحتمل بعض الغرر بيعاً إذا دعت إليه حاجة؛ كالجهل بأساس الدار، وكما إذا باع الشاة الحامل والتي في ضرعها لبن؛ فإنه يصح للبيع؛ لأن الأساس تابع للظاهر من الدار؛ ولأن الحاجة تدعو إليه فإنه لا يمكن رؤيته، وكذا القول في حمل الشاة ولبنها.

وكذلك أجمع المسلمون على جواز أشياء فيها غرر حقير، منها: أنهم أجمعوا على صحة بيع الجبة المحشوة وإن لم ير حشوها ولو بيع حشوها بانفراده لم يجز.

وأجمعوا على جواز إجارة الدار والدابة والثوب ونحو ذلك شهراً، مع أن الشهر قد يكون ثلاثين يوماً وقد يكون تسعة وعشرين.

وأجمعوا على جواز دخول الحمام بالأجرة مع اختلاف الناس في استعمالهم الماء وفي قدر مكثهم.

وأجمعوا على جواز الشرب من السقاء بالعوض، مع جهالة قدر المشروب، واختلاف عادة الشاربين وعكس هذا.

وأجمعوا على بطلان بيع الأجنة في البطون، والطير في الهواء.

قال العلماء: مدار البطلان بسبب الغرر، والصحة مع وجوده على ما ذكرناه: وهو أنه إن دعت حاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة، وكان الغرر حقيراً جاز البيع وإلا فلا.

وما وقع في بعض مسائل الباب من اختلاف العلماء في صحة البيع فيها وفساده كبيع العين الغائبة؛ مبني على هذه القاعدة.

فبعضهم يرى أن الغرر حقير فيجعله كالمعدوم فيصح البيع، وبعضهم يراه ليس بحقير فيبطل البيع. والله أعلم (٢).


(١) انظر «فتح الباري» (٤/ ٣٥٧).
(٢) انظر «شرح صحيح مسلم» (١٠/ ١٥٦ - ١٥٧).

<<  <   >  >>