للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأخرج ابن أبي شيبة في «المصنف» عن زيد بن أسلم «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحلَّ العُربان في البيع» (١)،

يعني أحل بيع العربون، وهو مرسل، من رواية زيد بن أسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وزيد بن أسلم تابعي، وليس صحابياً، فالحديث مرسل؛ فهو ضعيف أيضاً.

فحديث التحريم ضعيف، وحديث الإباحة أيضاً ضعيف، ولا يصح حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب.

فالذين حرَّموا احتجوا بحديث عبد الله بن عمرو المتقدم، وقالوا بأنه من أكل أموال الناس بالباطل، فالبائع الذي أخذ المال من المشتري عندما ترك الشراء؛ أخذه من غير وجه حق.

والذين أحلوا استدلوا بحديث زيد بن أسلم الذي هو أيضاً ضعيف، وضعَّفوا الحديث الأول وردّوا القول الذي يقول بأنه من أكل أموال الناس بالباطل، قالوا بل هو مالٌ أُخذ للضرر الذي يلحق البائع من تأخير البضاعة عنده، ما أُخِّرت البضاعة هذه ولا حُجزت إلا لأن المشتري قد أرادها، لذلك أُخرت، وإلا ربما بيعت في الفترة التي حجزها المشتري، ولا تباع بسببه؛ فحصل تعطيل وحصل ضرر على البائع نتيجة الحجز الذي حجزه المشتري، فلما تركه صار المال الذي حُجز من حق البائع مقابل تأخير بيع البضاعة، فليس هو من أكل أموال الناس بالباطل في شيء.

وهذا القول الثاني هو القول الصحيح، أن بيع العربون جائز؛ لأن الأصل حل البيع ما لم يأتِ دليل صحيح على تحريمه، وهذه المسألة ليس فيها دليل صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والتعليل الذي عللوا به أيضاً لا يسلَّم فلم يبقَ إلا القول بالجواز، وهذا القول منقول عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وابن عمر، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله.

وأما بيع العصير إلى من يتخذه خمراً.

فالمراد بالعصير عصير العنب، فإن الشخص إذا أبقاه وخزَّنه تحول إلى خمر مسكر، ومن علم أن مشتريه أراد أن يتخذه خمراً حرُم عليه بيعه له؛ لقول الله تبارك وتعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.

وبيع العصير إلى من يتخذه خمراً فيه إعانة له على فعل ذلك، فيدخل في النهي.

وأخرج أبو داود عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه «(٢).

فلعن في هذا الحديث شارب الخمر ومن أعانه على ذلك.

والبيع باطل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -» من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد «(٣) وهذا البيع ليس عليه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -.


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢٣١٩٥).

وانظر «البدر المنير» (٦/ ٥٢٦)، و «التلخيص الحبير» (٣/ ٤٥) ففيهما زيادة فائدة.
(٢) أخرجهأحمد (٥٧١٦)، أبو داود (٣٦٧٤)، وابن ماجه (٣٣٨٠).
(٣) تقدم تخريجه، وهو في الصحيح.

<<  <   >  >>