للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن يفعل في ملكه ما يضر به، أو أن يستعمل ملك الغير إلا بطيب نفسه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه» (١).

قال ابن عبد البررحمه الله في التمهيد: واختلف الفقهاء في معنى هذا الحديث، فقال منهم قوم: معناه الندب إلى بر الجار والتجاوز له والإحسان إليه، وليس ذلك على الوجوب، وممن قال ذلك مالك وأبو حنيفة، ومن حجتهم: قوله صلى الله عليه وسلم «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه» .... قال: وقال آخرون: ذلك على الوجوب إذا لم تكن في ذلك مضرة على صاحب الجدار، وممن قال بهذا: الشافعي وأحمد بن حنبل وداود بن علي وأبو ثور وجماعة من أهل الحديث، وحجتهم: قول أبي هريرة: والله لأرمين بها بين أكتافكم، وأبو هريرة أعلم بمعنى ما سمع، وما كان ليوجب عليهم غير واجب، وهو مذهب عمر بن الخطاب، وحكى مالك عن المطلب -قاض كان بالمدينة- كان يقضي به، ومن حجتهم أيضاً أن قالوا: هذا قضاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمرفق، وقوله صلى الله عليه وسلم «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه» إنما هو على التمليك والاستهلاك وليس المرفق من ذلك، وكيف يكون منه والنبي صلى الله عليه وسلم فرق بين ذلك فأوجب أحدهما ومنع من الآخر؟ ! انتهى باختصار. والمِرفَق أو المَرفِق: من الارتفاق هو الانتفاع.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (ولا ضَررَ ولا ضِرارَ بين الشُّركاءِ، ومَن ضارَّ شرِيكَه؛ جازَ للإمامِ عُقُوبتُه بقلعِ شجرِهِ أو بَيعِ دارِه)

جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار» (٢)

هذا الحديث بمجموع طرقه صحيح إن شاء الله، وهو قاعدة شرعية عظيمة أُخذت منه قاعدة: الضرر يُزال يعني يرفع ولا يبقى، مأخوذة من هذا الحديث، وهي قاعدة متفق عليها بين الفقهاء.


(١) صحيح، تقدم تخريجه.
(٢) أخرجه مالك في موطئه مرسلاً (٢/ ٧٤٥)، وأحمد (٥/ ٥٥)، وابن ماجه (٢٣٤١) عن ابن عباس.

وأخرجه أحمد (٣٧/ ٤٣٨)، وابن ماجه (٢٣٤٠) عن عبادة بن الصامت.
وله طرق ذكرها الزيلعي في نصب الراية (٤/ ٣٨٤) والألباني في الصحيحة (رقم ٢٥٠) وابن رجب في جامع العلوم والحكم (٢/ ٢٠٧)، وقال ابن رجب: وقد استدلَّ الإمام أحمد بهذا الحديث، وقال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولاضرار».

وقال أبو عمرو بن الصلاح: هذا الحديثُ أسنده الدارقطنيُّ من وجوه، ومجموعها يُقوِّي الحديثَ ويُحسنه، وقد تقبَّله جماهيرُ أهلِ العلم، واحتجُّوا به، وقولُ أبي داود: إنَّه من الأحاديث التي يدورُ الفقه عليها؛ يُشعِرُ بكونه غيرَ ضعيفٍ. والله أعلم. انتهى.

<<  <   >  >>