للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من هنا يتساءل البعض: لماذا الشرع لم يغلق أبواب الرِّق نهائيّاً، مع أن في الرِّق إذلالاً للناس؟ نقول: الشرع أغلق جميع أبواب الرق التي كانت في الجاهلية، وأبقى باباً، لأن مصلحته أعظم من المفسدة المذكورة.

المصلحة الأولى من وراء فتح أحد أبواب الرِّق أعظم بكثير من المفسدة التي يراها الناس اليوم؛

هي: دخول الكثير من الناس في الإسلام من وراء الرِّق.

اتخاذ الناس عبيداً بعد أن كانوا أحراراً، يشرع في الإسلام عندما يقاتل المسلمون الكفار، ويأسرون النساء والأطفال يأخذونهم رقيقاً.

المصلحة الأولى - وهي العظمى - أنهم يعرفون الإسلام ويدخلون فيه، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: «عَجِبَ ربُّنا - عز وجل- من رجال يقادون في السلاسل حتى يدخلوا الجنة» (١).

هذه أعظم مصلحة، أن يمن الله على العبد بالإسلام، وإن أصابه ما أصابه من رق، عندما يرى حلاوة الإسلام ولذته ويعرف النعيم الذي دخل عليه بسبب ذلك؛ سيعرف أن هذه نعمة لا يعدلها شيءٌ، إذ يكون فاز بخيري الدنيا والآخرة، فإسلامه سيكون سبباً في عتقه.

المصلحة الثانية: أن المعتاد في الحروب والقتال أن يكون أعظم خاسرفيها هم الأطفال والنساء، فالأطفال يُشَرّدون والنساء يُغتصبن ويُهَنّ كثيراً في الحروب.

في الإسلام في حال الرق يُحفظ الأطفال وتحفظ النساء أيضاً؛ لأنه عندما يؤخذ الأطفال والنساء رقيقاً، ويعطى الأطفال والنساء من الحقوق الشرعية التي كتبها الله تبارك وتعالى لهم في الإسلام، ويعاملون معاملة حسنة كما أراد الله سبحانه وتعالى؛ عندها سيكون الرق عليهم نعمة وليس نقمة.

ولو يعلم كثير ممن يحاربون الرق ما جعل الله سبحانه وتعالى للرقيق إن أدى الحق الذي عليه، وإن أدى له سيده حقه كما شرع الله؛ لما حاربوه مطلقاً؛ بل لعملوا بما شرع الله فيه إن أنصفوا.

يوجد مفسدة نعم؛ لكن المصالح المرجوة من وراء ذلك أعظم بكثير.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (ويَجوزُ العِتقُ بشرطِ الخِدمةِ ونحوِها)

يعني إذا كان عند شخص عبد وأراد أن يعتقه، يجوز له أن يشترط عليه شرطاً مقابل العتق؛ كأن يقول له مثلاً: أعتقك وتكون حراً بشرط أن تخدمني بقية عمري، هذا الشرط جائز؛ لحديث سفينة

قال: أعتقتني أم سلمة- زوج النبي صلى الله عليه وسلم- وشَرَطَت عليَّ أن أخدم النبي صلى الله عليه وسلم ما عاش (٢).


(١) أخرجه البخاري (١١٤٠).
(٢) أخرجه أحمد (٣٦/ ٢٥٥)، وأبو داود (٣٩٣٢)، وابن ماجه (٢٥٢٦).

<<  <   >  >>