للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أخرجه أحمد وغيره.

هذا الحديث يدل على صحة مثل هذا الشرط في العتق. والله أعلم.

قال البغوي في شرح السنة: لو قال رجل لعبده: أعتقك على أن تخدمني شهراً، فقبل؛ عُتق في الحال، وعليه خدمة شهر، ولو قال: على أن تخدمني أبداً، أو مطلقاً، فقبل؛ عُتق في الحال، وعليه قيمة رقبته للمولى، وهذا الشرط إن كان مقروناً بالعتق؛ فعلى العبد القيمة، ولا خدمة، وإن كان بعد العتق؛ فلا يلزم الشرط، ولا شيء على العبد عند أكثر الفقهاء، وكان ابن سيرين يثبت الشرط في هذا.

وقال أحمد: يشتري هذه الخدمة من الذي شرط له، قيل له: يشتري بالدراهم؟ قال: نعم. انتهى

قال المؤلف: (ومن مَلك رَحِمهُ عَتَقَ عليه)

أي من ملك أحد محارمه؛ كأبيه وأمه وأخيه وأخته وابنه .. وهكذا؛ فالمملوك حر.

بمجرد أن يملكه سواء اشتراه أو وقع في نصيبه من قسمة الغنائم؛ يعتق مباشرة.

هذا قول المؤلف، ويعتمد في ذلك على حديث سمرة قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «من ملك ذا رحمٍ مَحْرمٍ فهو حر» (١). ولكنه حديث ضعيف لا يثبت.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يُعتق حتى يعتقه -إن أعتقه- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يجزي ولد عن والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه» (٢). أخرجه مسلم.

لا يجزي ولدٌ عن والده، يعني للوالد على ولده فضل عظيم لا يستطيع الولد أن يرد هذا الفضل لوالده إلا في حالة واحدة، وهي أن يجد أباه عبداً مملوكاً فيشتريه ويعتقه.

الشاهد من هذا قوله: إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه، فقوله: يعتقه يدل على أن مجرد شرائه ودخوله في ملكه لا يجعله حرّاً.

قال البغوي في شرح السنة: والعمل على هذا عند أهل العلم، قالوا: إذا اشترى الرجل أحداً من آبائه، أو أمهاته، أو واحداً من أولاده، أو أولاد أولاده، أو ملكه بسبب آخر؛ يُعتق عليه من غير أن ينشئ فيه عتقاً، وقوله: فيعتقه؛ لم يرد به أن إنشاء الإعتاق شرط، بل أراد به أن الشراء يخلصه عن الرق.

واختلف أهل العلم في غير الوالدين والمولودين من المحارم، فذهب أكثر أهل العلم إلى أن من ملك ذا رحم محرم كالأخ، وابن الأخ، والعم، والعمة، والخال، والخالة، يعتق عليه.

يروى ذلك عن عمر، وعبد الله بن مسعود، ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة، وهو قول الحسن، وجابر بن زيد، وعطاء، والشعبي، والزهري، والحكم، وحماد، وإليه ذهب سفيان الثوري، وأصحاب الرأي، وأحمد، وإسحاق، واحتجوا بما روي عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ملك ذا رحم محرم، فهو حر».

وقال مالك: لا يعتق إلا الوالد، والولد، والإخوة.


(١) أخرجه أحمد (٣٣/ ٣٣٨)، وأبو داود (٣٩٤٩)، والترمذي (١٣٦٥). انظر علته في التلخيص الحبير (٤/ ٣٩٠).
(٢) أخرجه مسلم (١٥١٠).

<<  <   >  >>