للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال قوم: لا يعتق إلا الوالدون، والمولودون، وإليه ذهب الشافعي.

وذهب بعض أهل الظاهر إلى أن الأب لا يعتق على الابن، لأن في الحديث: «فيشتريه فيعتقه»، وإذا صح الشراء؛ ثبت الملك، والملك يفيد التصرف، وحديث سمرة لا يعرف مسنداً إلا من حديث حماد بن سلمة، ورواه بعضهم عن قتادة، عن الحسن، عن عمر، ورواه بعضهم عن الحسن مرسلاً.

قال رحمه الله: (ومَن مَثَّلَ بمملُوكِهِ فَعليهِ أن يُعتِقَه وإلَّا أعتقَهُ الإمامُ أو الحاكمُ)

التمثيل هنا بمعنى العقوبة، يعني من عاقب مملوكه ظلماً، وهو لا يستحق العقوبة؛ فعليه أن يعتقه، أي فيلزمه عتقه، وإن لم يعتقه هو أعتقه الإمام أو الحاكم، للملوك أن يرفع قضيته إلى الحاكم أو إلى الإمام وهو يعتقه.

يستدل المؤلف على ما يقول بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من لطم مملوكه أو ضربه؛ فكفارته أن يعتقه» (١). أخرجه مسلم.

من ضرب مملوكه لطمة على وجهه أو ضربه ضرباً آخر بغير وجه حق، فكفارة فعله هذا أن يعتق مملوكه حتى يتخلص من الإثم.

قال النووي: في هذا الحديث الرفق بالمماليك وحسن صحبتهم وكف الأذى عنهم، وكذلك في الأحاديث بعده.

وأجمع المسلمون على أن عتقه بهذا ليس واجباً، وإنما هو مندوب؛ رجاء كفارة ذنبه فيه إزالة إثم ظلمه، ومما استدلوا به لعدم وجوب إعتاقه حديث سويد بن مقرن بعده أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم حين لطم أحدهم خادمهم بعتقها، قالوا: ليس لنا خادم غيرها، قال: «فليستخدموها فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها».

قال القاضي عياض: وأجمع العلماء أنه لا يجب إعتاق العبد لشيء مما يفعله به مولاه، مثل هذا الأمر الخفيف.

قال: واختلفوا فيما كثر من ذلك وشَنُع من ضَربٍ مُبرِّح مُنهِك لغير مُوجِب لذلك، أو حَرقَهُ بنارٍ، أو قطعَ عضواً له، أو أفسدَه أو نحو ذلك مما فيه مُثلَة ... انتهى.

وأما الرفع إلى الحاكم فاستدل المؤلف بحديث ضعيف.

ثم قال المؤلف: (ومَن أعتقَ شِرْكاً لهُ في عَبدٍ؛ ضَمِنَ لِشُرَكائِهِ نَصيبَهُم بعدَ التَّقوِيمِ، وإلَّا عَتَقَ نَصيبُهُ فقط، واستُسعِيَ العبدُ)

جاء في الصحيحين عن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أعتقَ شِرْكاً له في عبدٍ، فكان له مالٌ يَبلُغُ ثَمَنَ العبدِ؛ قُوِّمَ عليه قِيمةَ العدل، فأُعطِيَ شُركاءُه حِصَصَهم، وعَتَقَ عليه العبدُ؛ وإلا فقد عَتقَ منه ما عَتقَ» (٢).


(١) أخرجه مسلم (١٦٥٧).
(٢) أخرجه البخاري (٢٤٩١)، ومسلم (١٥٠١).

<<  <   >  >>