للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الآثار وأهل الرأي؛ أن قوله إن شاء الله استثناء في يمينه، وأن لا يكون مع اتصالها باليمين حنث في شيء منها إذا كان يريد به الثناء في الرجوع عما حلف عليه.

قال أبو بكر- أي ابن المنذر نفسه-: وكذلك قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور. انتهى

معنى الاتصال؛ أن يكون الاستثناء متصلاً بالكلام، يعني تقول: والله لا أدخل دار فلانٍ إن شاء الله، لا تفصل إن شاء الله عن بقية الكلام بفاصل زمني، فلا تقل مثلاً: والله لا أدخل دار فلان ثم بعد ساعة أو ساعتين تقول: إن شاء الله، هذا في صحته خلاف، والمتصل نقل البعض الإجماع على صحته. والله أعلم

قال المؤلف رحمه الله: (ومن حلفَ على شيءٍ فرأى غيره خيراً منه؛ فليأتِ الذي هو خير، وليكفِّر عن يمينه)

من حلف على شيء فرأى غيره خيراً منه، من قال مثلاً: والله لا أتصدق على فلان، ورأى أن الصدقة عليه خير له من عدم الصدقة عليه، فيكفِّر عن يمينه ويتصدق عليه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا حلفتَ على يمينٍ فرأيتَ غيرها خيراً منها؛ فكفِّر عن يمينك وأتِ الذي هو خير» (١) متفق عليه.

وله أن يكفِّر قبل الحنث وبعده، يعني إذا قال: والله لا أتصدق على فلان، هل يكفِّر عن يمينه قبل أن يتصدق عليه أم يكفِّر عن يمينه بعد أن يتصدق عليه؟

قلنا: وله أن يكفِّر قبل الحنث وبعده، أي له أن يتصدق على الرجل قبل أن يكفِّر عن يمينه، وله أن يكفِّر عن يمينه ثم يتصدق عليه، هذا قول جمهور علماء الإسلام.

وأفتى أربعة عشر صحابياً بتقديم التكفير، أي بجواز تقديم التكفير، هذا الذي حصل فيه الخلاف، تأخير التكفير لا إشكال فيه، لكن الخلاف حصل في تقديم التكفير، فجمهور العلماء وأربعة عشر صحابياً أفتوا بجواز تقديم التكفير على الحنث، وقال به سائر فقهاء الأمصار، وخالف في ذلك أهل الرأي، وقد بوَّب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: باب الكفارة قبل الحنث وبعده (٢)، وذكر أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تدل على جواز التكفير بعد الحنث وقبل الحنث.

والإمام البخاري رحمه الله يكثر في تبويباته من رده على أهل الرأي، قد نبه الحافظ ابن حجر على أكثر من موضع من ذلك، يعني يبوِّب أبواباً يرد بها أقوال أهل الرأي، رد عليهم


(١) أخرجه البخاري (٧١٤٦)، ومسلم (١٦٥٢) من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه.
(٢) أخرجه البخاري أول حديث في هذا الباب برقم (٦٧٢١).

<<  <   >  >>