قال المؤلف رحمه الله: (ومِنَ النَّذرِ في المَعصِيةِ)
لا نذر في معصية الله، النذر إذا كان نذراً فيه معصية غير منعقد، للحديث المتقدم.
سيبدأ المؤلف هنا بذكر بعض صور نذر المعصية.
فقال: (ما فيه مخالفةٌ للتَّسويةِ بين الأولادِ، أو مُفاضَلةٌ بين الوَرَثةِ مُخالِفَةٌ لما شَرَعهُ اللهُ)
هذه صور من النذر المحرم نذر المعصية.
الصورة الأولى: نذرٌ فيه عدم التسوية بين الأولاد، وقد تقدم معنا وجوب التسوية بين الأولاد في العطية، فمن نذر نذراً يقتضي عدم التسوية بينهم فنذره نذر معصية لا يصح.
الصورة الثانية: المفاضلة بين الورثة بقسمة تخالف ما شرعه الله، هذه أيضاً معصية كالذين يمنعون الإناث من الإرث أو يعطون الإناث قليلاً من حقهن في الإرث.
والصورة الثالثة:
قال المؤلف: (ومِنهُ النَّذرُ على القُبُور)
كالنذر الذي فيه تقرب لصاحب القبر كالنذر بالذبح لصاحب القبر، أو النذر الذي فيه مخالفة لشرع الله كرفع القبور أو البناء عليها وما شابه، كل هذا من نذر المعصية فلا ينعقد النذر بهذه الأمور.
الصورة الرابعة من صور نذر المعصية:
قال المؤلف رحمه الله: (وعَلى ما لم يَأذنْ بهِ اللهُ)
كالنذر على المساجد لزخرفتها أو على أهل المعاصي ليستعينوا به على معاصيهم، كل هذا داخل في النذر المحرم، نذر المعصية.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (ومَن أوَجَبَ على نفسهِ فِعلاً لم يشرَعْهُ الله لم يجِب عليه)
ومن أوجب على نفسه فعلاً لم يشرعه الله ولم يوجبه الله عليه ولا استحبه له؛ لم يجب عليه، فلا وفاء فيه.
حديث ابن عباس عند البخاري يدل على ذلك: قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يعقد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه» (١).
في هذا الحديث الأشياء المباحة التي ألزم نفسه بها أبطلها النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنها ليست قُرَب ليست طاعات لله سبحانه وتعالى، أبطلها بقوله: مره فليتكلم وليستظل وليقعد، وليتم صومه.
فألزمه بأن يتم ما هو طاعة وقربة لله سبحانه وتعالى.
وفي الحديث المتقدم في سنن أبي داود قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله» فعلى هذا فالنذر الذي يجب الوفاء به هو ما كان طاعة لله، وما ليس بطاعة فهو غير معتبر
(١) أخرجه البخاري (٦٧٠٤) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.