للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا كفارة فيه سواء كان في معصية أو مباح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يلزم أبا إسرائيل بالكفارة في النذر الذي نذره في الأمور المباحة.

قال المؤلف رحمه الله: (وكذلكَ إنْ كانَ ممَّا لم يَشرعْهُ اللهُ وهو لا يُطِيقُهُ)

أيُّ نذرٍ فعله الشخص وهو لا يطيقه فهذا النذر لا يلزمه، إذا كان النذر طاعة وهو لا يطيقه لزمه فيه كفارة يمين كما سيأتي إن شاء الله، فمن نذر أن يفعل فعلاً لم يشرعه الله وهو يقدر عليه كأن ينذر الرجل المشي وهو لا يقدر عليه، ففي الصحيحين من حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى شيخاً يُهادَى بين ابنيه -أي يمشي بينهما معتمداً عليهما من ضعفه-فقال: «ما هذا؟ » قالوا: نذر أن يمشي. قال: «إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني» (١) وأمره أن يركب.

هذا الرجل نذر نذراً في أمرٍ ليس هو طاعة في أصله وهو لا يقدر عليه أيضاً، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا النذر.

قال المؤلف: (ومَن نذَرَ نذراً لم يُسمِّه أو كان مَعصِيةً أو لا يُطيقُهُ فعليهِ كفارةُ يَمينٍ)

من نذر نذراً لم يسمه فكفارته كفارة يمين، تلزمه كفارة يمين؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كفارة النذر كفارة اليمين» (٢).

وأما حديث: «من نذر نذراً لم يسمِّه فكفارته كفارة يمين» (٣)؛ فضعيف.

صورة ذلك: أن يقول الشخص مثلاً: نذرٌ عليّ لله تعالى. فقط

لا يُعيِّن شيئاً؛ فهذا نذر لم يسمَّ لم يسم النذر لاصوم ولا صلاة ولا غير ذلك.

لم يعين نوع النذر، فهذا نذر لم يسم، فتلزمه كفارة يمين فيه فقط.

وأما نذر المعصية فكأن ينذر أن يشرب الخمر.

قال المؤلف: فيه كفارة يمين، والصحيح أنه نذر غير منعقد ولا يصح، فليس فيه شيء لا كفارة يمين ولا غيرها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه» (٤) ولم يذكر كفارة، أما الحديث الذي يستدلون به على وجوب الكفارة، «لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين» (٥) فهو حديث ضعيف لا يصح، والصحيح الذي في


(١) أخرجه البخاري (١٨٦٥)، ومسلم (١٦٤٢) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(٢) أخرجه مسلم (١٦٤٥)، من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -.
(٣) أخرجه الترمذي (١٥٢٨)، وابن ماجه (٢١٢٧) وغيرهما عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، وهو وهم والصواب رواية مسلم كما بين ذلك البيهقي وغيره.
وأخرجه أبو داود (٣٣٢٢) وابن ماجه (٢١٢٨) وغيرهما عن ابن عباس - رضي الله عنه - مرفوعاً والصواب وقفه على ابن عباس - رضي الله عنه - بين ذلك أبو داود والبيهقي وغيرهما.
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) أخرجه أحمد (٢٦٠٩٨)، وأبو داود (٣٢٩٠)، والترمذي (١٥٢٤)، والنسائي (٣٨٣٧)، وابن ماجه (٢١٢٥)، وغيرهم عن عائشة رضي الله عنها. هذا الحديث معل بعلة خفية بينها الإمام أحمد والبخاري والدارقطني والنسائي والبيهقي وهي أن الزهري يرويه عن سليمان بن أرقم وهو متروك، انظر الجامع لعلوم الإمام أحمد والعلل الكبير للترمذي وعلل الدارقطني والسنن الكبرى للبيهقي (١٠/ ١١٨ فما بعدها)، وذكره البيهقي من حديث عمران بن حصين وبين ضعفه.

<<  <   >  >>