وأما من لم يعلم أسُميَّ عليها أم لا فيجوز له الأكل منها، لحديث عائشة قالت: إن قوماً قالوا يا رسول الله: إن قوماً حديثي عهد بكفر -أي خرجوا من الكفر حديثاً ودخلوا في الإسلام حديثاً- يأتوننا باللحم لا ندري أذُكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَمّوا عليه أنتم وكلوه» (١) أخرجه البخاري في صحيحه.
هذا الحديث يدل على جواز أكل ما في أسواق المسلمين من المذبوحات، من الدجاج والغنم والبقر وغيرها مما أحل الله أكله إذا وُجد في أسواق المسلمين فيجوز أكله سواء علمنا أنه سمي عليه أم لم نعلم ذلك.
وأما النسيان فقد احتج البخاري رحمه الله على جوازه بقوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام/١٢١] قال: والناسي لا يسمى فاسقاً.
قال الإمام الطبري رحمه الله في قول الله تبارك وتعالى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٢١] قال: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَنَى بِذَلِكَ: مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ وَالْآلِهَةِ، وَمَا مَاتَ أَوْ ذَبَحَهُ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: عَنَى بِذَلِكَ مَا ذَبَحَهُ الْمُسْلِمُ فَنَسِيَ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ، فَقَوْلٌ بَعِيدٌ مِنَ الصَّوَابِ لِشُذُوذِهِ وَخُرُوجِهِ عَمَّا عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مُجْمِعَةٌ مِنْ تَحْلِيلِهِ، وَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا عَلَى فَسَادِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهُ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى (لَطِيفُ الْقَوْلِ فِي أَحْكَامِ شَرَائِعِ الدِّينِ)، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. انتهى
فالقول بأن ما تُركت التسمية عليه نسياناً لا يؤكل قول شاذ على ما ذكر الطبري رحمه الله.
وقول المؤلف: «ولو بحجر أو نحوه ما لم يكن سناً أو ظفراً» أي يصح الذبح بكل شيء أسال الدم وصبَّه بكثرة, يدل عليه الحديث الذي فيه «ما أنهر الدم» سواء كان بالسكين أو الحجر أو الحديد أو غير ذلك إذا كان يقطع العروق ويسيل الدم.
إلا السن والظفر أي ما عدا السن والظفر لا يجوز الذبح بهما.
السن معروف، والظفر ظفر الإنسان، جاء في الحديث بيان العلة، فقال: السن عظم. فهذا يدل على أن العظم كله لا يجوز الذبح به.
والظفر تستعمله الحبشة كما جاء في الحديث «مُدى الحبشة» أي السكين التي تذبح بها الحبشة. هنا كونه من استعمالات أهل الحبشة كثير من أهل العلم قال: العلة في ذلك أن أهل الحبشة كانوا كفاراً، والذبح بالظفر من خصائصهم، ونحن نهينا عن التشبه بالكفار، فجعلوه من التشبه بالكفار.
فبناء على هذا القول نقول: كل ما هو خاص بالكفار يذبحون به لا يجوز الذبح به بناءً على التعليل الذي ذكروه. والله أعلم
قال المؤلف رحمه الله: (ويَحرُمُ تعذيبُ الذَّبيحَةِ)
(١) أخرجه البخاري (٥٥٠٧) عن عائشة رضي الله عنها.