(وَحدُّ الضِّيافةِ إلى ثلاثةِ أيامٍ، وما كان ورَاءَ ذلك فصدقةٌ)
دليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه» (١) متفق عليه من حديث أبي شريح العدوي - رضي الله عنه -.
أي يعمل جهده في اليوم الأول بالبِرِّ والإلطاف والإحسان إليه من غير أن يشق على نفسه، وفي الثاني والثالث يقدِّم له ما حضر وما وُجد في البيت ولا يزيد على عادته، فإذا مضى الثالث فقد قضى حقه، فما زاد عليها فما يقدمه له يكون صدقة يتصدق بها عليه.
(ولا يَحِلُّ للضَّيفِ أن يَثوِيَ عِندَهُ حتى يُحرِجَهُ)
أي لا يجوز للضيف أن يقيم عند صاحب الدار أكثر من ثلاثة أيام حتى لا يوقع صاحب الدار في الضيق، ودليله حديث أبي شريح السابق.
الحرج: الضيق.
يثوي عنده: يقيم عنده.
قال المؤلف رحمه الله: (وإذا لم يَفعلِ القَادرُ على الضِّيافةِ ما يجبُ عليهِ؛ كان للضَّيفِ أن يَأخذَ مِن مالهِ بقدرِ قِراهُ)
أي بقدر ضيافته، للضيف أن يأخذ من مال صاحب الدار القدر الذي يُكرَم به في العرف السائد، لحديث عقبة المتقدم.
المؤلف ذهب إلى وجوب ضيافة الضيف.
والعلماء اختلفوا في ذلك فذهب أحمد وغيره إلى الوجوب، وذهب الجمهور إلى الاستحباب إلا للمضطر.
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: هذه الأحاديث متظاهرة على الأمر بالضيافة والاهتمام بها وعظيم موقعها.
وقد أجمع المسلمون على الضيافة وأنها من متأكدات الإسلام، ثم قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة رحمهم الله تعالى والجمهور: هي سنة ليست بوجبة، وقال الليث وأحمد: هي واجبة يوماً وليلة، قال أحمد رضي الله عنه: هي واجبة يوماً وليلة على أهل البادية وأهل القرى دون أهل المدن.
وتأول الجمهور هذه الأحاديث وأشباهها على الاستحباب ومكارم الأخلاق وتأكد حق الضيف؛ كحديث غسل الجمعة واجب على كل محتلم، أي متأكد الاستحباب، وتأولها الخطابي رضي الله عنه وغيره على المضطر. والله أعلم.
استدل من قال بعدم الوجوب بقوله - صلى الله عليه وسلم - في أبي شريح المتقدم: (جائزته) فالجائزة فى لسان العرب: النِّحلة والعطية، وذلك تفضل وليس بواجب.
(١) أخرجه البخاري (٦١٣٥)، ومسلم (٤٨).