فهذا يدل على أن أهل الدَّيْن يأخذون جميع ما يجدونه مع المفلس ما عدا ما ذكر المؤلف؛ لأنهم إذا أخذوا ما استثناه المؤلف سيؤدي إلى ضرر عظيم على الرجل والضرر مرفوع، فلا يجوز إلحاق الضرر به.
فقال المؤلف: يجوز لأهل الدَّيْن أي لأصحاب الدَّيْن الذين لهم مال ودَيْن على الشخص، أن يأخذوا جميع ما يجدونه مع المفلس؛ إلا ما كان لا يُستغنى عنه (ضروريات الحياة) وهي: المنزل الذي يناسب من هم في حاله، أما إذا كان يعيش في قصر مثلاً أو في بيتٍ فاره؛ يؤخذ منه البيت ويباع ويشترى له بيت متواضع على قدر حاله، وما زاد يقضى به دَيْنه.
وستر العورة وما يقيه البرد: أي ثيابه التي لا بد منها التي تدفع عنه الضرر.
ويسد رمقه: أي ما يكفيه للعيش من الطعام والشراب، ما يكفيه ويكفي من يعول: مَنْ ينفق عليهم هو، فكفايتهم تُترك لهم وما فوق ذلك يأخذه أصحاب الديون.
قال المؤلف رحمه الله:(ومَن وجَدَ مَالَهُ عندَهُ بعينِهِ فهو أَحقُّ بهِ)
صورة المسألة أن يبيع رجلٌ لآخر سيارة مثلاً على أن يدفع له ثمنها، وقبل أن يدفع أفلس مشتري السيارة، فإذا وجد البائع الذي يطالب بثمن السيارة وجد نفس السيارة موجودة عند المفلس فهو أحق بها، يعني له هو أن يستردها وليس لبقية أصحاب الديون أن يأخذوها بل هو أحق بها من غيره.
هذا معنى كلام المؤلف، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ - أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ - فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ»(١) متفق عليه.
قال المؤلف رحمه الله:(وإذا نَقصَ مَالُ المُفلِسِ عن الوَفاءِ بجميعِ دَينهِ؛ كانَ المَوجودُ أُسوةَ الغُرمَاءِ)
إذا أفلس الشخص وأرادوا أن يأخذوا ماله كي يقضوا دَيْنه عنه، فقضوا شيئاً ولم يكفِ المال، بقيت عليه ديون أخرى، قال المؤلف: كان الموجود أسوة الغرماء.
(١) أخرجه البخاري (٢٤٠٢)، ومسلم (١٥٥٩) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.