هذا كله الآن ما سبق وهذا؛ في تقديم وتأخير أصحاب الديون، مَنْ يقدَّم ويأخذ ما له من ديون على المَدين قبل الآخر، الآن لا يقدَّم أحد على الآخَر، بما أنه ليس له مالٌ معيَّن عند المفلس فلا يقدَّم على غيره.
أسوة الغرماء: أي الغرماء أصحاب الديون جميعاً متساوون ومتشاركون في المال الموجود، فيقسَّم المال بينهم؛ لحديث أبي سعيد المتقدم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:«خذوا ما وجدتم» فلم يعطِ واحداً دون الآخر، ولم يقدِّم أحدهم على الآخر جعلهم جميعاً سواء.
قال المؤلف رحمه الله:(وإذا تبيَّنَ إفلاسُهُ فلا يَجُوزُ حَبسُهُ)
إذا تبيَّن أن الشخص المفلس بالفعل هو مفلس حقيقة لا يكذب ولا يتحايل؛ فلا يجوز حبسه؛ لقول الله تبارك وتعالى:{وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}[البقرة/٢٨٠]، أي إذا كان المديون غير قادر على سداد دينه؛ فأمهلوه واصبروا عليه إلى أن يتمكن من السداد، فهذا أمرٌ بالصبر؛ فلا يجوز حبسه، وحبسه يعتبر ظلماً له.
قال المؤلف:(وَلَيُّ الوَاجِدِ ظُلمٌ يُحِلُّ عِرضَهُ وعُقُوبَتَهُ)
هذا حديث نبوي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:«لَيُّ الواجِد يُحلُّ عِرضه وعقوبته»(١) أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما، وزيادة ظلم ليست في الحديث.
الواجد: هو الذي يجد قضاءً لدَيْنِه، أي الذي يكون قادراً على قضاء دَيْنه.
لَيُّ الواجد: لَيُّه: بمعنى مماطلته.
يحل عرضه: العِرض: موضع المدح والذم من الإنسان. ويحل عرضه: يبيح ذكره بسوء؛ لمماطلته ولظلمه.
وعقوبته: حبسه حتى يقضيه، فيجوز للحاكم أن يحبسه حتى يقضي دَيْنه.
فلا بد من التفريق بين الواجد وغير الواجد، بين القادر على القضاء وغير القادر على القضاء؛ القادر على القضاء ولا يقضي؛ يحل عرضه وعقوبته، أما غير القادر على القضاء فهذا لا يحل منه شيء والواجب الصبر عليه إلى أن يتمكن من القضاء.
(١) أخرجه أحمد (١٧٩٤٦)، وأبو داود (٣٦٢٨)، والنسائي (٤٦٨٩)، وابن ماجه (٢٤٢٧)