للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن اجتهد في المسألة ولم يصب فيها، أخطأ؛ فله أجر، مأجور أجراً واحداً، أجر الاجتهاد، هو لم يصب فلا يأخذ أجر الإصابة، ولكنه اجتهد لمعرفة الحق فيأخذ أجر الاجتهاد فقط.

إن لم يَألُ جهداً في البحث: هذا شرط، لا يؤجر إلا إذا عمل واجتهد في البحث عن الحق ولم يقصر في البحث والتفتيش عن حكم المسألة وعما يرضي الله تبارك وتعالى فيها.

لم يَأْلُ: أي لم يقصر. ومعنى لم يأل جهداً: بذل كل ما يقدر عليه للوصول إلى الحق ولم يقصر.

دليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ؛ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ؛ فَلَهُ أَجْرٌ» (١).

هذا الحديث إنما ينطبق على من كان أهلاً للاجتهاد، أما إذا اجتهد شخص وهو ليس أهلاً للاجتهاد؛ فهذا لا يؤجر ألبتة، سواء أصاب أم أخطأ؛ لأنه دخل في أمر لا يجوز له أن يدخله وقد جاء في الحديث أن القاضي الذي يحكم بجهلٍ أنه من أهل النار، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ» (٢).

قال المؤلف رحمه الله: (وتَحرمُ عَليهِ الرِّشْوَةُ)

الرشوة يقال لها: الرِّشوة والرَّشوة والرُّشوة، الراء فيها مثلثة ومعنى تثليثها أنها تصح بالحركات الثلاثة: الضمة والفتحة والكسرة.

وتعريف الرِّشوة: ما يُعطى لإِحقاقِ باطلٍ أو إبطالِ حقٍّ.

وأما إعطاؤها لإحقاق حقِّ أو إبطال باطل لا يتحقق إلا بدفعها؛ فلا حرمة على الدافع.

يعني دفع مال أو غيره لإبطال باطل، هو باطل يجب أن يُبطَل فدفْعُ المال في ذلك لا يعتبر رشوة، إذا كان هذا الباطل لا يُبطَل إلا بدفعها، وكذلك إحقاق الحق، الحق يجب أن يحصل ولكن إذا كان لا يتحقق إلا بالدفع فيُدفَع، وليس هذا من الرشوة في حق الدافع.

ولا يجوز للآخذ - إذا كان قاضياً أو والياً أوعاملاً للسلطان- أن يأخذ، بل يجب عليه أن يعين صاحب الحق على حقه دون مقابل؛ لأنه واجب عليه وكذلك إبطال الباطل.


(١) متفق عليه، تقدم.
(٢) أخرجه أبو داود (٣٥٧٣)، والترمذي (١٣٢٢)، وابن ماجه (٢٣١٥).

<<  <   >  >>