للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهي في حق الآخذ رشوة؛ لأن الآخذ وجب عليه أن يُحق الحق ويُبطل الباطل من غير أن يأخذ شيئاً، فإذا أخذ شيئاً مقابله فقد أخذه بالباطل فيكون من السحت.

قال المؤلف: تحرم الرشوة على القاضي، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي (١)، لعن الراشي الذي يدفع الرشوة، والمرتشي الذي يأخذها. أخرجه أبو داود في سننه.

وقال ابن قدامة في المغني: فأما الرشوة في الحكم، ورشوة العامل؛ فحرام بلا خلاف. قال الله تعالى {أكالون للسحت} [المائدة: ٤٢] قال الحسن، وسعيد بن جبير، في تفسيره: هو الرشوة ... انتهى باختصار.

العامل يعني به العامل للسلطان؛ كالذين يعملون في الدوائر الحكومية اليوم.

قال المؤلف رحمه الله: (والهَديَّةُ التي أُهدِيَتْ إليهِ لأَجلِ كَونِهِ قَاضِياً)

يعني تحرم على القاضي الرشوة، وتحرم عليه الهدية التي تهدى إليه لأنه قاضٍ، هذا لحديث أبي حُمَيْد الساعدي قال: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا مِنَ الْأَسْدِ، يُقَالُ لَهُ: ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا لِي، أُهْدِيَ لِي، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: «مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ، أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ، حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ»، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللهُمَّ، هَلْ بَلَّغْتُ؟ » مَرَّتَيْنِ (٢). متفق عليه.

هذا يدل على أن المرء إذا أُهديت له هدية وهو يعمل في عملٍ من عمل السلطان، ولم تُهدَ له هذه الهدية إلا لأنه يعمل في هذا العمل؛ فلا يجوز له أخذ تلك الهدية؛ لأنها في حقيقة الأمر رشوة وليست هدية.

لكن إذا أَهدى له شخص قد اعتاد على أن يهدي له قبل أن يتولى هذا المنصب مثلاً وأراد أن يهديه هدية كالمعتاد، فيجوز لأن الهدية لأجله لا لأجل أنه قاضٍ مثلاً.

قال أهل العلم: قد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن هَدَايَا الْعمَّال لَيست كالهدايا الْمُبَاحَة، لِأَن الْعَامِل إِنَّمَا يهدى لَهُ مُحَابَاة ليفعل فِي حق الْمهْدي مَا لَيْسَ لَهُ أَن يفعل، وَتلك خِيَانَة مِنْهُ. انتهى


(١) أخرجه أحمد (٦٥٣٢)، وأبو داود (٣٥٨٠)، والترمذي (١٣٣٦)، وابن ماجه (٢٣١٣).
(٢) أخرجه البخاري (٦٩٧٩)، ومسلم (١٨٣٢).

<<  <   >  >>