قال كعب: قد فعلت يا رسول الله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن أبي حدرد: قم فاقضه النصف الآخر مباشرة.
فهذا الحديث يقول أهل العلم: فيه دليل على الشفاعة وعلى الاستيضاع وعلى الإرشاد إلى الصلح، فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا قد أصلح بينهما، وتوسط لابن أبي حدرد أن يضع كعب بن مالك من حقه فحصلت الشفاعة وحصل الاستيضاع بأن قال له ضع، وحصل أيضاً الصلح بين الطرفين.
حكم الحاكم ينفذ ظاهراً فقط، يعنى أن حكم الحاكم لا يُحلّ حَراماً ولا يُحرِّم حلالاً، فإذا كان المدعي يعلم من نفسه أنه كاذب في دعواه وحَكم له القاضي بأن يأخذ ما ادعاه؛ فلا يكون ذلك طريقاً إلى تحليل هذا الشيء له، فإذا ادعى أن له قطعة أرضٍ مثلاً وهو يعلم أنه كاذب وأن هذه القطعة من الأرض ليست له بل لغيره، وحكم القاضي بناءً على ما ظهر له أن قطعة الأرض له؛ فلا تصبح له بحكم الحاكم، بل هي محرَّمة عليه وليست له ويجب عليه ردها لصاحبها وإن حكم الحاكم له بذلك.
هذا معنى كلام المؤلف رحمه الله أن حُكم الحاكم لا يغيِّر من حقيقة الأمر شيئاً، الواقع هو الواقع إذا كانت لك فهي حلال عليك، وإذا لم تكن لك فهي حرام عليك وإن حكم الحاكم لك بذلك فلا تكون حلالاً عليك إلا إذا طابقت الواقع وكانت بالفعل هي لك.
هذا لحديث أم سلمة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ»(١) متفق عليه.
هذا الحديث واضح، أنا بشر: يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب إلا ما أوحى الله له به من ذلك، فهو بشر ويقضي بين الناس بما يظهر له وعلى حسب الأدلة التي أمامه وكذلك يفعل القاضي، والناس تختصم إليه يأتون إليه بالمخاصمة وكلٌ يدَّعي الحق له، قال: ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض: لعل البعض، أنتم ترون بعض الناس عنده طلاقة لسان