هكذا قال البعض، وقال البعض: لا يحكم بعلمه. والذين قالوا: لا يَحكم بعلمه، قالوا: لأنه سيضع نفسه في محل تهمة، سيُتهم حيث إنه حكم من غير وجود دليل، يتهم بالرشوة أو غيرها.
ثم استدلوا بالحديث المتقدم الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما أقضي بنحو ما أسمع» قالوا: فيقضي بما سمع لا بما علم. هذا دليلهم، ولهم غيره كعلمه بزنا المرأة ولم يقم الحد عليها.
وأما دليل الطائفة الثانية التي قالت: يحكم بعلمه، فقالوا: إن الواجب عليه أن يحكم بالحق والعدل الذي يحبه الله ويرضاه وهو قد علمه، فوجب عليه أن يحكم به.
واستدلوا أيضاً بحديث هند بنت عتبة التي قضى لها النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يكون أبو سفيان حاضراً ومن غير أن يسمع منه، قالوا: ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم صدقها لذلك حكم في مثل هذه المسألة فيكون النبي صلى الله عليه وسلم هنا قد حكم بعلمه.
وللعلماء أقوال أخرى فيه تفصيل، قال ابن هبيرة في اختلاف العلماء:
واختلفوا في الحاكم هل يجوز له الحكم بعلمه؟
فقال مالك وأحمد في إحدى روايتيه: لا يجوز له ذلك في شيء أصلاً، لا فيما علمه قبل ولايته ولا بعدها لا في حقوق الله ولا في حقوق الآدميين، لا في مجلس الحكم ولا غيره.
وعن أحمد رواية أخرى: له أن يحكم في الجميع على الإطلاق سواء علمه قبل ولايته أو بعدها.
وقال عبد الملك بن الماجشون من أصحاب مالك: له أن يحكم بعلمه في مجلس حكمه في الأموال خاصة.
وقال أبو حنيفة: يحكم بعلمه فيما علمه في حال قضائه؛ إلا في الحدود التي هي حقوق الله، فيحكم بعلمه في القذف إذا كان علمه في حال قضائه، فأما ما علمه قبل قضائه فلا يحكم به على الإطلاق.
وللشافعي قولان: إحداهما كالرواية عن أحمد ومالك، والثاني: يحكم فيما علمه قبل ولايته وبعدها في علمه وغير علمه؛ إلا في الحدود فإنها على قولين.