للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما دليل التغريب فثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في رجلٍ زنى بامرأة رجلٍ آخر، وكان الزاني بِكراً والمرأة متزوجة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لوالد الزاني: «على ابنك جلد مائة وتغريب عامٍ، واغدُ يا أُنَيِّس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» متفق عليه.

الشاهد: قال: على ابنك جلد مائة وتغريب عام، تغريب عام زيادة من السُّنة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج مسلم من حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَالرَّجْمُ» (١).

وأما إذا كان الزاني ثيباً-أي متزوجاً- وحراً ليس عبداً، جُلد كما يجلد البكر، أي مائة جلدة ثم بعد الجلد يُرجم، أي يضرب بالحجارة حتى يموت.

هذا كلام المؤلف، قال: وإن كان ثيباً جُلد كما يُجلد البكر، يعني يُجلد مائة جلدة ثم يرجم حتى يموت، فيُجمع عليه الجلد والرجم.

هذا ما ذكره المؤلف، والصحيح أنه يُرجم فقط ولا يُجلد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ولم يجلد مَنْ زنى وكان متزوجاً، والأحاديث في الصحيحين، أحاديث كثيرة في الصحيحين أن أناساً قد زنوا وهم متزوجون ورجمهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجلدهم، منها حديث ماعز والغامدية، فهذه أدلة تدل على أن الزاني الثيب لا يُجمع عليه الجلد والرجم، وإنما يُرجم فقط.

وكذلك في الحديث المتقدم قال لأُنَيِّس: «واغدُ يا أُنيِّس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها»، لم يقل له: إن اعترفت فاجلدها وارجمها، قال له: إن اعترفت فارجمها.

هذه الأحاديث واضحة الدلالة في أن الثيب لا يُجمع عليه الجلد والرجم.

والحديث الذي يستدل به المؤلف هو حديث عبادة بن الصامت الذي تقدم، قال: «الثيب بالثيب جلد مائة والرجم» هذا الحديث الصحيح أنه منسوخ بالأحاديث السابقة، هذا الحديث في أول الإسلام، عند نزول حد الزنا، فأول ما شرع الحد شرع بهذا الحديث قال: «قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» فهذا كان متقدماً، ثم جاءت الأحاديث الأخرى التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ولم يجلد، فعندنا ناسخ


(١) أخرجه مسلم (١٦٩٠).

<<  <   >  >>