للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السلاح أو من يقوم بهذا القتال؛ ولكنهم لا يكفون، فلا يحققون فرض الكفاية، فيجب عليه أن يخرج معهم.

هذه الصور الثلاث التي يتحول فيها هذا الفرض من فرض كفاية إلى فرض عين في حق بعض الأشخاص.

وأما دليل كونه مع الإمام البَرِّ والفاجر، فلعموم الأدلة الآمرة بالجهاد، ليس فيها تقييد الإمام بأن يكون عادلاً، فبما أنها لم تُخصص بإمام عادل، فتبقى على عمومها وأنه يجاهد مع الإمام البر والإمام الفاجر، شرطه أن يكون مسلماً لا كافراً، الكافر لا يجاهَد معه، الجهاد يكون مع الإمام المسلم.

وأما اعتبار إذن الوالدين في هذا النوع من الجهاد فلقول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل استأذنه في الجهاد، قال له: «أحيٌّ والداك؟ » قال: نعم. قال: «ففيهما فجاهد» (١).

فإذا لم يأذنا له بالخروج للجهاد فلا يجوز له أن يخرج.

قال ابن حزم في مراتب الإجماع: واتفقوا أن من له أبوان يضيعان بخروجه، أن فرض الجهاد ساقط عنه.

وقال ابن المنذر في الإقناع: وللرجل أن يتخلف عن الجهاد من أجل والديه؛ لحديث عبد الله بن عمرو ... فذكر الحديث السابق، ثم قال: وذلك مَا لم يقع النفير، فإذا وقع النفير فليس لأحد أن يتخلف؛ لحديث أبي قتادة: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بعث جيش الأمراء واستعمل عليهم زيد بن حارثة، وقال فِي آخر الحديث: «أيها الناس اخرجوا فأمدوا إخوانكم وَلا يتخلف أحد».

ولمن عليه دين أن يتخلف عن الغزو من أجل الدين الذي عليه؛ استدلالاً بقول النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - للرجل، الذي قَالَ لَهُ: إن قتلت فِي سبيل اللَّه صابرًا محتسباً مقبلاً غير مدبر أيكفر اللَّه عني خطاياي؟ قَالَ: «نعم؛ إلا الدين، كذلك قَالَ لي جبريل عليه السلام».

وللمريض أن يتخلف عن الغزو، والزَّمِن - من به مرض يدوم طويلاً أو ضعف بسبب كبر سن -، كذلك يقال: إن قوله تعالى: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: ٩٥]، نزل فِي ابن أم مكتوم، وليس للعبد أن يغزو إلا بإذن سيده. انتهى كلامه رحمه الله.

وهذا الجهاد الذي هو جهاد الطلب شُرع لإعلاء كلمة لا إله إلا الله، أي لنشر التوحيد ونشر السنة، والقضاء على الشرك والبدع والمعاصي، فهو لإعلاء كلمة لا إله إلا الله، وذلك لحديث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، أَنَّ رَجُلًا أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِي العُليا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ» (٢) فلا يكون المرء مجاهداً في سبيل الله حتى تكون نيته إعلاء كلمة لا إله إلا الله، أي نشر دين الله وشرعه


(١) أخرجه البخاري (٣٠٠٤)، ومسلم (٢٥٤٩).
(٢) أخرجه البخاري (٢٨١٠)، ومسلم (١٩٠٤).

<<  <   >  >>