قالوا: معناه: إما أن يستشهد فيدخل الجنة، وإما أن يرجع بأجر فقط إن لم توجد غنيمة، وإما أن يرجع بأجر وغنيمة.
فتكفير الذنوب؛ لمن مات في سبيل الله، كما ذُكر في الأحاديث: «يغفر الله للشهيد» الشهيد هو الذي مات في سبيل الله، وأيضاً الحديث الذي قبله قال: أرأيت إن قُتلت في سبيل الله يكفِّر عني خطاياي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم وأنت صابر محتسب» فيدل هذا على أن من قُتل في سبيل الله كان أجره تكفير الخطايا والذنوب إلا الدَّيْن.
والدَّيْن هنا الذي لا يُغفر، هو الدين الذي عزم صاحبه على عدم رده، أما من نوى قضاء الدين ولم يكن قادراً على ذلك لا يدخل في هذا؛ لأنه جاء في الحديث: أن الله يقضي عنه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ» (١).
قال ابن عبد البر في التمهيد: والدَّين الذي يُحبس به صاحبه عن الجنة - والله أعلم- هو الذي قد تَركَ له وفاء ولم يُوصِ به، أو قدر على الأداء فلم يُؤد، أو أدانه في غير حق، أو في سرف ومات ولم يؤده، وأما من أدان في حق واجب لفاقة وعسر، ومات، ولم يترك وفاء؛
فإن الله لا يحبسه به عن الجنة إن شاء الله؛ لأن على السلطان فرضاً أن يؤدي عنه دينه، إما من جملة الصدقات، أو من سهم الغارمين، أو من الفيء الراجع على المسلمين من صنوف الفيء.
وقد قيل: إن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشديده في الدين، كان من قبل أن يفتح الله عليه ما يجب منه الفيء والصدقات لأهلها ... انتهى.
وألحق العلماء بالدَّين جميع حقوق الآدميين، قالوا: هي مثل الدين.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا يُستعانُ فيه بالمُشركينَ إلا لِضرُورةٍ)
مسألة الاستعانة بالمشركين في القتال مسألة اجتهادية، فيها نزاع قديم بين العلماء، وسبب النزاع اختلاف الأدلة، فقد جاءت أدلة مُبيحة، وأدلة محرِّمة.
لذلك اختلف العلماء في ذلك، فمن الجهل بمكان أن تكون هذه المسألة من مسائل الولاء والبراء، أو من مسائل التشنيع والتشديد على بعض العلماء، الذين يفتون بمثل هذه المسائل، التي تكون موافِقة لبعض العلماء المتقدمين من سلف هذه الأمة.
المسألة اجتهادية لا ينبغي إعطاء المسائل العلمية أكثر من حجمها.
ومن علامات الحدادية في هذا الزمن أنهم يفعلون ذلك، يلتمسون بعض الأخطاء عند العلماء -وربما تكون أخطاءً في أذهانهم- أخطاء اجتهادية، النزاع فيها معروف بين السلف؛ فيضخمونها ويكبِّرونها، ويطعنون في المخالفين لهم بذلك.
(١) أخرجه البخاري (٢٣٨٧)