للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من الجهاد أن يكون العدو ضِعْفَي المسلمين فما دون، فإنهم كانوا يوم أحد والخندق أضعاف المسلمين فكان الجهاد واجباً عليهم؛ لأنه حينئذ جهاد ضرورة ودفع، لا جهاد اختيار .. انتهى من كتابه الفروسية.

قال المؤلف رحمه الله: (وهو مَعَ إِخلاصِ النِّيةِ يُكفِّرُ الخَطايَا إلا الدَّيْنَ، ويُلحقُ بهِ حُقوقُ الآدَمِيّينَ)

وهو: أي الجهاد، مع إخلاص النية: بأن تكون نية المقاتل القتال لإعلاء راية لا إله إلا الله، لنشر التوحيد والسنة بين الناس وإقامة شرع الله سبحانه وتعالى، ولا يبتغي بعمله دنيا يصيبها ولا إقامة أحكام تخالف شرع الله، لا يكون قصده في الجهاد إقامة أحكام تخالف شرع الله؛ كالديمقراطية والاشتراكية والبعثية، وغيرها من أحكام باطلة فاسدة مخالفة لدين الله تبارك وتعالى.

مَنْ قاتل لهذه المعاني فقد أذهب جهده وتعبه سدى، بل الأمر عليه أشد، فهو قتال في سبيل الشيطان لا قتال في سبيل الله سبحانه تعالى، فمن قاتل لإعلاء كلمة لا إله إلا الله، ومات في سبيل الله؛ كفَّر الله عنه جميع ذنوبه إلا الدَّين. كذا قال صلى الله عليه وسلم، ففي حديث أبي قتادة عند مسلم عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالْإِيمَانَ بِاللهِ؛ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ، تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ، إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كَيْفَ قُلْتَ؟ » قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إِلَّا الدَّيْنَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِي ذَلِكَ» (١).

وفي حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ» (٢) أخرجه مسلم.

المؤلف قال: وهو مع إخلاص النية يكفِّر الخطايا، هذا يكفر الخطايا لمن مات في سبيل الله، أما من لم يمت وجاهد في سبيل الله؛ فهذا يكون قد رجع بما رجع من أجر وغنيمة، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَضَمَّنَ اللهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادًا فِي سَبِيلِي، وَإِيمَانًا بِي، وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي، فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، نَائِلًا مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ، لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ، وَرِيحُهُ مِسْكٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلَافَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ أَبَدًا، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ، وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ» (٣).


(١) أخرجه مسلم (١٨٨٥)
(٢) أخرجه مسلم (١٨٨٦)
(٣) أخرجه البخاري (٣٦)، ومسلم (١٨٧٦)

<<  <   >  >>