للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من أعظم أنواع الجهاد إزالة الحاكم الكافر عن بلاد المسلمين، من أعظم الجهاد وأفضله، لكن كثير من الناس لا يدركون هذه المعاني، القدرة ضرورية، إذا لم تكن هناك قدرة أدى القتال إلى خلاف ما نريد، وأدى إلى مفاسد كبيرة عندئذ يكون فساداً لا يكون جهاداً.

فجهاد الدفع مطلوب وهو واجب على كل من كان قادراً على حمل السلاح، إذا كان سيؤدي إلى الغاية المقصودة منه وهو الدفاع عن بلاد المسلمين، وعن أعراض المسلمين، ودماء المسلمين، وأموالهم، ودينهم بالدرجة الأولى.

قال ابن حزم في مراتب الإجماع: واتفقوا أن دفاع المشركين وأهل الكفر عن بيضة أهل الإسلام، وقراهم، وحصونهم، وحريمهم، إذا نزلوا على المسلمين؛ فرض على الأحرار البالغين المطيقين.

قال ابن تيمية رحمه الله بعدما ذكر بعض شروط قتال الطلب، قال: وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين، فواجبٌ إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يُدفع بحسب الإمكان.

يُدفع على حسب القدرة والإمكان شرطه ما ذكرنا، فبما أنه شُرِع لدفع العدو ولحفظ بلاد المسلمين ودينهم ودنياهم، فإذا أدى إلى عكس ذلك وخلافه فلا يكون مشروعاً.

وللأسف كثير من الجماعات الإسلامية لم تدرك هذه المعاني، التي عرفناها بأدلة الكتاب والسنة قبل أن نراها في الواقع، إلا بعد أن رأوه بأعينهم، عندها فهم الكثير منهم وتراجع عن أفكاره، والكثير منهم بقي راكباً هواه، ومستمراً في فساده، حتى إنهم أضروا كثيراً بدعوة الله سبحانه وتعالى، الدعوة إلى الإسلام والدعوة إلى السنة، وأعطوا فكرة سيئة عن الإسلام والسنة.

قال ابن القيم رحمه الله: وجهاد الدفع أصعب من جهاد الطلب، فإن جهاد الدفع يشبه دفع الصائل -دفع الصائل: دفع المعتدي الظالم- ولهذا أبيح للمظلوم أن يدفع عن نفسه؛ كما قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج/٣٩].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد» (١)؛ لأن دفع الصائل على الدين جهاد وقربة، ودفع الصائل على المال والنفس مباح ورخصة، فإن قتل فهو شهيد.

فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعم وجوباً، ولهذا يتعين على كل أحد مقيم، ويجاهد فيه العبد بإذن سيده وبدون إذنه، والولد بدون إذن أبويه، والغريم بغير إذن غريمه -يعني من عليه حق لآخر لا ينتظر إذن صاحب الحق-، وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق -هذا جهاد الدفع، كان جهاد المسلمين يوم أحد ويوم الخندق جهاد دفع- ولا يُشترط في هذا النوع


(١) شطره الأول أخرجه أخرجه البخاري (٢٤٨٠)، ومسلم (١٤١)، من حديث عبد الله بن عمرو، وأخرجه أحمد (١٦٥٢)، وأبو داود (٤٧٧٢)، والترمذي (١٤٢١)، والنسائي (٤٠٩٤)، وابن ماجه (٢٥٨٠)، مختصراً ومطولاً من حديث سعيد بن زيد بلفظ: «مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَالِهِ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَاتَلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَاتَلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ».

<<  <   >  >>