للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا يجوز لهم أن يطيعوا أميرهم في معصية الله، أي إذا أمرهم بمعصية فلا طاعة له فيها، ويطاع في غيرها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف»، لهذا الحديث قصة مفيدة في هذا المعنى: عن علي - رضي الله عنه - قال: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا، فَأَغْضَبُوهُ فِي شَيْءٍ، فَقَالَ: اجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا لَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، فَأَوْقَدُوا، ثُمَّ قَالَ: أَلَمْ يَأْمُرْكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَسْمَعُوا لِي وَتُطِيعُوا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَادْخُلُوهَا، قَالَ: فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَقَالُوا: إِنَّمَا فَرَرْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّارِ، فَكَانُوا كَذَلِكَ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ، وَطُفِئَتِ النَّارُ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» (١).

وفي رواية: «لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف».

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (٢) متفق عليه، والأحاديث بهذا المعنى كثيرة.

قال المؤلف رحمه الله: (وعَليهِ مُشَاورتُهُم، والرِّفقُ بِهم، وَكَفُّهُم عَن الحَرَامِ)

على الأمير مشاورة أصحابه؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران/١٥٩].

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يشاور أصحابه في أمور الغزو وغيرها (٣)، وما أشاروا به عليه ليس ملزِماً، إذا استشار الأمير مَنْ حوله في أمرٍ من أمور الغزو أو غيرها؛ لا يكون رأيهم ملزماً للأمير، لكنه ينظر للأقوال الموافقة للأدلة من الكتاب والسنة أو التي فيها مصلحة للإسلام والمسلمين فيعمل بها، فالمشورة مُعْلِمَة وليست بمُلْزِمة.

ويجب عليه أن يرفق بهم: أي يعاملهم برفق ولين، لا بشدة وغلظة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشَقَّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرَفَقَ بهم فارفق به» (٤). أخرجه مسلم في صحيحه.

ويجب عليه أن يكفهم عن الحرام؛ لأن هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» (٥) أخرجه مسلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الجميع، وعلى الأمير خاصة؛ لأن له قدرة على الإنكار أكثر من غيره.


(١) أخرجه البخاري (٧١٤٥)، ومسلم (١٨٤٠)
(٢) أخرجه البخاري (٧١٤٤)، ومسلم (١٨٣٩)
(٣) انظر صحيح البخاري (٩/ ١١٢) الباب وما فيه من أحاديث، أولها برقم (٧٣٦٩)
(٤) أخرجه مسلم (١٨٢٨)
(٥) أخرجه مسلم (٤٩)

<<  <   >  >>