للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال المؤلف رحمه الله: (ويُشرعُ للإمامِ إذا أَرادَ غَزواً أن يُوَرِّيَ بِغيرِ ما يُريدُهُ)

التورية أصلها الستر، يقال: منه ورَّيت الخبر أُوَرِّيه تَوْرِيَةً إذا سترته وأظهرت غيره.

وهي أن يتكلم المتكلم ويريد بكلامه خلاف ظاهره.

مثل أن يقول مثلاً في الحرب: قتل إمامكم، ويعني به أحد المتقدمين، ولكنهم يفهمون قائدهم في المعركة، لأن اللفظ يحتمل المعنيين، والمعنى الذي أراده بعيد، والمعنى الذي فهموه قريب.

فإذا قال قولاً يحتمل معنيين، أحد المعنيين أظهر من الآخر، بحيث إذا سمعه الذي يخاطبه فهم منه المعنى الظاهر، والمتكلم يكون في نفسه يريد المعنى الخفي؛ فيكون ورى عليه.

هذا معنى التورية.

وجواز ذلك في الحرب دل عليه ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن كعب بن مالك حين تخلف عن رسول الله، قال: ولم يكن رسول الله يريد غزوة إلا ورَّى بغيرها (١).

يعنى أظهر للناس أنه يريد جهة، وهو في الحقيقة يريد جهة أخر، فيقول كلاماً يُفهم منه معنيين، فالظاهر منه الأول يفهمونه منه، وهو يريد المعنى الثاني.

قال المؤلف: (وأن يُذكِيَ العُيُونَ، وَيَستَطلِعَ الأَخبارَ، ويُرَتِّبَ الجُيُوشَ، ويَتَّخذَ الرَّاياتِ والأَلوِيَةَ)

أي ويُشرع للإمام أن يُذكي- أي يرسل - العيون، وهم الذين نسميهم اليوم بالجواسيس.

ويشرع له استطلاع الأخبار، أي طلب الاطلاع على أخبار العدو وما الذي ينوون فعله، هذا أصل عمل أجهزة المخابرات اليوم، صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ القَوْمِ يَوْمَ الأَحْزَابِ؟ » قَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ القَوْمِ؟ »، قَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ» (٢).

وفي صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بُسَيْسَةَ عَيْنًا يَنْظُرُ مَا صَنَعَتْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ (٣).

ويشرع له ترتيب الجيوش وتنظيمها، فالفوضى تؤدي إلى الاختلاف والفشل وضياع الجهود، ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يرتب الجيش ويقسمه، أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أنه قال: أَلَا أُعْلِمُكُمْ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، ثُمَّ ذَكَرَ فَتْحَ مَكَّةَ، فَقَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَبَعَثَ الزُّبَيْرَ عَلَى إِحْدَى الْمُجَنِّبَتَيْنِ، وَبَعَثَ خَالِدًا عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْأُخْرَى، وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْحُسَّرِ، فَأَخَذُوا بَطْنَ الْوَادِي، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي


(١) أخرجه البخاري (٢٩٤٧)، ومسلم (٢٧٦٩)
(٢) أخرجه البخاري (٢٨٤٦)، ومسلم (٢٤١٥)
(٣) أخرجه مسلم (١٩٠١)

<<  <   >  >>