للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما الأطفال في نفس الحديث، نهى عن قتل النساء والصبيان. في حديث ابن عمر منفق عليه. وأما الشيوخ فأخرج أبو داود من حديث أنس أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا صغيراً، ولا امرأة» (١) وهو ضعيف لا يصح.

قال ابن المنذر: ولا أعلم حجة قاطعة يجب بها الامتناع عن قتل الرهبان، والشيوخ، والمرضى، من ظاهر كتاب الله.

لأن هؤلاء إن لم يقاتلوا، ربما يكون لهم رأي، ولهم تدبير في أمر القتال.

لكن ظاهر الحديث الذي تقدم: «ما كانت هذه لتقاتل» أن الذي لا يقاتل لا يُقتل، من الشيوخ والرهبان وغيرهم يُلحقون بهذا، إلا إذا عُرف أن منهم من له تدبير، وله مكر بالمسلمين، عندئذ يُقتل والله أعلم.

قوله: إلا لضرورة؛ كالتبييت مثلاً، التبييت: الغارة على الكفار ليلاً وهم نائمون.

جاء في حديث الصعب ابن جَثَّامة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يُسأل عن أهل الدار من المشركين يُبيَّتون فيصاب من نسائهم وذراريهم، فقال النبي: «هم منهم» (٢) متفق عليه، يعني لا يُقتل النساء والأطفال إلا في حال الضرورة، كهذه الحالة مثلاً، وكحالتنا اليوم مثلاً الحروب بالصواريخ، فيُطلِق الصاروخ، ربما يصيب النساء والأطفال، فهذا جائز.

قال المؤلف رحمه الله: (والمُثلَةُ، والإِحراقُ بالنَّارِ، والفِرارُ مِنَ الزَّحفِ إلَّا إلى فِئةٍ)

أي وتحرم أيضاً المثلة، المثلة: قطع الأعضاء، وتشويه الخلقة.

مثل أن يقطع أنفه أو أذنيه أو يفقأ عينيه وما شابه.

المثلة نهى عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد جاء في الحديث المتقدم في نفس حديث مسلم الذي ذكرناه سابقاً، قال: «قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا ولا تمثلوا».

وجاء عند أبي داود أيضاً من حديث سمرة بن جندب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقة، وينهانا عن المثلة» (٣).

وأما الإحراق بالنار فجاء في حديث عند البخاري، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بعثنا رسول الله - رضي الله عنه - في بعث، فقال: «إِنْ وَجَدْتُمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَرَدْنَا الخُرُوجَ: «إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلاَنًا وَفُلاَنًا، وَإِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا» (٤).

ويحرم الفرار من الزحف، يعني من القتال، إلا إلى فِئَة، أي إلا إذا فر من أجل أن ينضم إلى جماعة، ويرجع معهم إلى القتال.

فيحرم الفرار من القتال، إلا إذا كان للرجوع إلى القتال؛ لقول الله تبارك تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا


(١) أخرجه أبو داود (٢٦١٤) في سنده راو مجهول، انظر ضعيف أبي داود الأم (٤٥٠) للألباني.
(٢) أخرجه البخاري (٣٠١٢)، ومسلم (١٧٤٥)
(٣) أخرجه أحمد (٢٠١٣٦)، وأبو داود (٢٦٦٧)
(٤) أخرجه البخاري (٣٠١٦)

<<  <   >  >>