للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟ » قَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ - قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ حَلِيفًا لَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا - وَكَانَ مِمَّنْ كَانَ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَلَمْ أَفْعَلْهُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي، وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «صَدَقَ»، فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي، يَا رَسُولَ اللهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: ١].

المانع الذي منع من قتله -مع أن عمر استأذن في قتله- هو أنه من أهل بدر، وهذا المانع غير موجود في غير حاطب بن أبي بلتعة، فإذا انتفى المانع بقي حكم القتل فجاز قتله.

فهذا هو الصحيح، العلماء الذين أفتوا بقتله، قالوا: يقتل تعزيراً لا ردة، وفرق بين الأمرين.

وبعض أهل العلم قال: لا يقتل أصلاً، يعزَّر بالسجن أو الجلد أو غير ذلك، لكن لا يقتل.

فالفقهاء على أنه لا يكفر، وهذا من الإعانة من إعانة الكفار على المسلمين، عند التكفيريين الخوارج هو من الموالاة! فيكفِّرونه بهذا، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل حاطباً، ولو كان هذا كفراً لأذن بقتله، ولا يمنع كونه من أهل بدر من تكفيره وقتله؛ لان الله تبارك وتعالى قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء/٤٨] (١)

كونه لم يكفر دل على أن التجسس للكفار على المسلمين، إذا كان لأمر دنيوي لا لأمرٍ ديني؛ لا يكون هذا الفعل كفراً، حاطب عندما فعله لم يفعله ردة، ولا فعله بغضاً للإسلام، ولا حباً لظهور الكفار على المسلمين، ولكن لأمر دنيوي؛ كي يحمي أهله الذين في قريش.

فمن فعل ذلك لأجل هذا الغرض لا يكفر، ولكن يكفر من فعله بغضاً للإسلام أو حباً لأن يظهر الكفار على المسلمين يكفر عندها.

هذا هو التفصيل في مسألة من قاتل مع الكفار أو أعانهم بتجسس أو غيره.


(١) أخرجه البخاري (٤٨٩٠)، ومسلم (٢٤٩٤)

<<  <   >  >>